فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من ترتيب الأحكام المختلفة على ما بيناه من الأفعال المختلفة ، فشرح المذهب في كل فعل وحكمه : أن
يعتبر ما فعله كل واحد من أهل المحاربة ، فمن قتل منهم ولم يأخذ المال روعي حال المقتول ، فإن كان مكافئا للقاتل قتل به القاتل ، وكان قتله منحتما لا يقف على خيار الولي ، ولا يصح العفو عنه فيتغلظ في الحرابة بانحتامه . وقال
أبو حنيفة : لا يتحتم قتله ، ويكون موقوفا على خيار الولي في أن يقتص أو يعفو أو يأخذ الدية أو يعفو عنها ، إلا أن ينضم إلى القتل أخذ المال فينحتم قتله ولا يقف على خيار الولي : لقول الله تعالى :
فقد جعلنا لوليه سلطانا [ الإسراء : 33 ] .
[ ص: 357 ] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :
فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين ، إن أحبوا قتلوا ، وإن أحبوا أخذوا العقل . ودليلنا : قوله تعالى :
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا [ المائدة : 33 ] فكان ظاهره الوجوب : لأنه أمر مقيد بشرط ، ولأن كل جرم أوجب عقوبة في غير المحاربة ، تغلظت عقوبته في المحاربة ، كالمال تغلظت عقوبته في المحاربة ، كالأمر بقطع الرجل ، فاقتضى أن تتغلظ عقوبة القتل بانحتامه ، فصار ما استدل به من الظاهر مخصوصا . وإن كان المقتول في الحرابة غير مكافئ للقاتل : لأنه حر قتل عبدا أو مسلم قتل معاهدا ، أو والد قتل ولدا ففيه قولان : أحدهما : أن
التكافؤ معتبر في غير الحرابة ، فلا يقتل به القاتل إذا لم يكن كفؤا . والقول الثاني : أن التكافؤ غير معتبر ويقتل به القاتل ، وإن لم يكن كفؤا : لأنه لما سقط في قتل الحرابة خيار الولي سقط فيما كفاه المقتول . فعلى هذا : لو كان المقتول مرتدا فإن لم يعلم القاتل بردته قتل به اعتبارا بقصده ، وإن علم بردته لم يقتل به : لأن دمه مباح .