فصل :
ومن قتل وأخذ المال قتل وصلب ، فكان القتل بالقتل والصلب بأخذ المال ، وقد ذكرنا أن
أبا حنيفة جوز الجمع بين القطع والقتل ، وقد تقدم الكلام معه . ولأن الله تعالى جعل الصلب حدا وجمع بينه وبين القتل ، فاقتضى أن يكون الجمع بينهما في جرمين مقصودين بالمحاربة ، ولا يقصد في الأغلب بهما إلا المال والقتل ، فاقتضى أن يكون الجمع بين هاتين العقوبتين مقصود الحرابة من هذين الأمرين ، فإذا ثبت أنه يقتل ويصلب ، فمذهب
الشافعي : أنه يصلب بعد قتله . وقال
مالك وأبو يوسف : يصلب حيا ، ثم يبعج بطنه بالرماح ، أو يرمى بالسهام حتى يقتل . وحكاه
الكرخي عن
أبي حنيفة : لأن الصلب إذا كان حدا وجب أن يكون في الحياة : لأن الحدود لا تقام على ميت . ولأجل هذا التعليل ذهب بعض أصحابنا إلى أنه يصلب حيا ، ويترك على حاله مصلوبا حتى يموت . وليس هذا صحيحا : لما فيه من تعذيب نفسه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924731إن الله كتب على كل شيء الإحسان ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة . وروي عنه صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=924732أنه نهى أن يجعل الروح غرضا .
[ ص: 358 ] وقولهم : إنه حد لا يقام على ميت . فيقال لهم : هو وإن كان حدا ، فالمقصود به ردع غيره : لأن المقتول لا يردع ، وإنما يردع به الأحياء . والردع بالصلب موجود في الأحياء وإن كان بعد القتل . فإذا صلب فمذهب
الشافعي أنه يصلب ثلاثة أيام لا يزاد عليها ، إلا أن يتغير قبلها فيحط . وحكي عن
أبي علي بن أبي هريرة : أن مدة صلبه معتبرة بأن يسيل صديده ، ولا يتقدر بزمان . وهذا فاسد : لأن قتله وصلبه لا يوجب سقوط حرمته وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه : لحرمة إسلامه . وانتهاؤه إلى سيلان صديده يمنع من هذه الحقوق ، فلم تعتبر . فلو مات هذا المحارب حتف أنفه ، لم يصلب بعد موته ، وإن صلب بعد قتله . نقله
الحارث بن سريج عن
الشافعي نصا . والفرق بينهما : أن قتله حد مستوفى فيكمل بصلبه ، وموته مسقط لحده فسقط تأثيره .