مسألة : قال
الشافعي : " ومن حضر منهم وكثر أو هيب أو كان ردءا ، عزر وحبس " . قال
الماوردي : وهذا صحيح ،
حدود الله تعالى على من باشرها دون الردء المعاون عليها بتكثير أو تهييب أو نصرة . وقال
أبو حنيفة : الردء المكثر فيها ، والمهيب كالمباشر في إقامة الحد عليه . وإن قتل واحد منهم قتلوا ، وإن أخذ واحد منهم المال قطعوا : استدلالا بقوله تعالى :
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا [ المائدة : 33 ] الآية فعم ولم يخص . وبرواية
إبراهيم بن طهمان ، عن
عبد العزيز بن رفيع ، عن
عبيد بن عمير ، عن
عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924733لا يحل قتل امرئ مسلم إلا في ثلاث خصال : زان محصن فيرجم ، ورجل قتل متعمدا فيقتل به ، ورجل خرج على الإمام فحارب الله ورسوله ، فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض فعم في المحارب ولم يفرق بين مباشر ومكثر . ومن القياس : أنه حكم يتعلق بالمحاربة ، فوجب أن يستوي فيه الردء والمباشر ،
[ ص: 364 ] كالغنيمة التي يشترك في استحقاقها المقاتل والحاضر : لأنها ترغيب ، كذلك الحدود في المحاربة : لأنها ترهيب . ولأن المباشر لم يقدر على الأخذ إلا بدفع الردء المكثر ، فصار الأخذ مضافا إليه ، فوجب أن يقام الحد عليهما . ودليلنا : رواية
أبي أمامة بن سهل بن حنيف ،
وعبد الله بن عامر بن ربيعة ، قالا : كنا مع
عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو محصور في الدار ، فسمع الناس فتغير لونه ، وقال : إنهم ليتواعدوني بالقتل ؟ فقلنا : يكفيهم الله يا أمير المؤمنين . قال : وبم يقتلوني ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924734لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنا بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس ووالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام قط ، ولا قتلت نفسا بغير نفس ، ولا أحببت أن لي بديني بدلا منذ هداني الله له ، فبم يقتلونني ؟ وروى
مسروق ، عن
عبد الله بن مسعود ، أنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924735والذي لا إله غيره لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال : الثيب الزاني ، ورجل قتل فأقيد ، والتارك للجماعة المفارق للإسلام . فدل هذان الحديثان على أن الردء لا يحل قتله : لأنه لم يوجد منه إحدى هذه الخصال الثلاث . ومن القياس : أنه حد يجب بارتكاب معصية ، فوجب أن لا يجب على المعين عليها كحد الزنا ، والقذف ، والسرقة . ولأن
أبا حنيفة يقول : إن الردء لا يقتل إذا كان المباشر امرأة . فكذلك إذا كان رجلا . وتحريره قياسا : أن من لم يباشر القتل والأخذ لم يجب عليه حدهما ، كالمرأة إذا باشرت . فإن قال :
المرأة لا يجري عليها حكم الحرابة . قلنا : تجري عليها عندنا حكم الحرابة ، ولأن السبب والمباشرة إذا اجتمعا وتعلق الضمان بالمباشرة سقط حكم السبب ، كالممسك والذابح وحافر البئر والدافع ، يجب الضمان على الذابح دون الممسك ، وعلى الدافع في البئر دون الحافر ، كذلك اجتماع الردء والمباشر في الحرابة . فأما الجواب عن الآية : فهو أن القتل وأخذ المال مضمران فيها ، فكأنه قال : إن يقتلوا إن قتلوا . فإن قيل : فيكون المضمر فيها أو قتل بعضهم لم يصح ذلك من وجهين : أحدهما : أنه زيادة إضمار لا يفتقر إليها الكلام . والثاني : أن إضمار ما اتفق عليه أولى من إضمار ما اختلف فيه .
[ ص: 365 ] وأما الجواب عن استدلاله بحديث
عائشة رضي الله عنها : فمن وجهين : أحدهما : أن راويه
إبراهيم بن طهمان ، وقد حكى
الدارقطني عن
أبي بكر النيسابوري ، قال : قلت
لمحمد بن يحيى :
إبراهيم بن طهمان يحتج بحديثه . قال : لا . والثاني : أن القتل في الحرابة مضمر في الخبر ، كما كان مضمرا في الآية . وأما الجواب عن قياسهم على الغنيمة : فمن وجهين : أحدهما : إنا لا نسلم لهم أن القتل والقطع يجب بالمحاربة ، وإنما يجب القتل بالقتل ، ويجب القطع بأخذ المال . والثاني : أنه لما شارك في الغنيمة من لم يشهد الوقعة من أهل الخمس ، كان أولى أن يشارك فيها من شهدها . والحرابة لا يشارك فيها من لم يشهدها ، فلم يشارك فيها من لم يباشرها . وأما الجواب عن استدلالهم بتأثير النصرة والتكثير : فهو فاسد بالممسك والذابح ، فإذا ثبت أن لا حد على الردء المكثر والمهيب ، فعليهم التعزير أدبا وحبسا ، وقد جمع
الشافعي بينهما في هذا الموضع ، وقد ذكرنا مذاهب أصحابه فيه .