فصل : وإذا
جمع المحارب في الحرابة بين أخذ المال وبين قطع طرف بجناية ، جمع عليه بين قطعه في المال وقطعه في القصاص ، ومنع
أبو حنيفة من الجمع بينهما ،
[ ص: 367 ] وقال : إذا قطع بجناية يسرى يديه ، وأخذ المال سقط عنه القصاص في يده اليسرى ، وقطعت يمناه في المال مع رجله اليسرى ، بناء على ما تقدم من خلافه في الجراح . ونحن نجمع عليه بينهما ، فتقطع يسرى يديه قصاصا ، ثم تقطع يمنى يديه مع رجله اليسرى : لأخذ المال ، لا يوالى بين القطعين : لأنهما حدان ويمهل بعد قطع يسراه قودا حتى تندمل ، ثم تقطع يمناه في المال ، ويقدم قطعه في القصاص على قطعه في المال ، سواء تقدم أو تأخر : لأنه من الحقوق المشتركة بين الله وعباده إن قيل بانحتامه ، أو من حقوق الآدميين إن قيل : إنه غير منحتم . وحقوق الآدميين في الدنيا مقدمة على حقوق الله تعالى فيها ، كمن وجب عليه القتل بردة وقصاص أو قطع يد بسرقة وقصاص قدم القصاص والقطع على حق الله تعالى فيها ، فإن قيل : فهلا كان اجتماعهما في الدماء كاجتماعهما في المال على ثلاثة أقاويل : أحدها : يقدم في المال حق الآدميين على حق الله تعالى كالدماء . والثاني : يقدم حق الله تعالى على حق الآدميين بخلاف الدماء . والثالث : يشترك بينهما ، قيل : لأن المقصود بحق الله في الدماء يوجد في استيفائه للآدميين وهو الردع والزجر ، والمقصود بحق الله تعالى في الأموال لا يوجد في استيفائه للآدميين : وهو وصوله إلى الفقراء المساكين ، فافترقا .