مسألة : قال
الشافعي : "
ومن تاب منهم من قبل أن يقدر عليه سقط عنه الحد ، ولا تسقط حقوق الآدميين . ويحتمل أن يسقط كل حق لله بالتوبة . وقال في كتاب الحدود : وبه أقول " .
[ ص: 369 ] قال
الماوردي : وأصل هذا قول الله تعالى :
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم [ المائدة : 34 ] فعطف بهذا الاستثناء على ما تقدم من حدود المحاربة ، فاختلف أهل العلم في المراد بهذه التوبة : فحكي عن
عبد الله بن عباس ،
والحسن ،
ومجاهد ،
وقتادة : أنها الإسلام . وهو قول من زعم أن حدود الحرابة وردت في المشركين ، ويكون معنى الآية : إلا الذين تابوا من شركهم وسعيهم في الأرض فسادا بإسلامهم . فأما المسلمون فلا تسقط التوبة عنهم حدا وجب عليهم . وذهب جمهور أهل العلم القائلون بأن حدود الحرابة وردت في المسلمين : إلى أنها التوبة من قصاص الحدود . واختلف من قال بهذا في
أمان الإمام لهم ، هل يكون شرطا في قبول توبتهم ؟ فحكي عن
علي بن أبي طالب عليه السلام
والشعبي وطائفة : أن أمان الإمام شرط فيها ، ومن لم يؤمنه الإمام لم تسقط التوبة عنه حدا . وذهب جمهورهم إلى أن أمان الإمام غير معتبر فيها ، والاعتبار بتأثيرها في الحدود أن يكون قبل القدرة عليهم . واختلف من قال بهذا من صفة القدرة عليهم على ثلاثة أقاويل : أحدها : أن يكون بعد لحوقهم بدار الحرب وإن كانوا مسلمين ، ثم عودهم منها تائبين قبل القدرة عليهم . فإن لم يلحقوا بدار الحرب ، لم تؤثر التوبة في إسقاط الحدود عنهم . وهذا قول
عروة بن الزبير . والثاني : أن يكون لهم في دار الإسلام فئة يلجأون إليها ويمتنعون بها ، فإن لم يمتنعوا بفئة لم تؤثر توبتهم في سقوط الحدود عنهم ، وهذا قول
عبد الله بن عمر ،
وعمرو بن أبي ربيعة بن أبي عبد الرحمن ،
والحكم بن عيينة . والثالث : وهو قول جمهور الفقهاء أن لا تمتد إليهم يد الإمام بهرب أو استخفاء أو امتناع ، فيخرجوا عن القدرة عليهم ، فتؤثر توبتهم فيما سقط عنهم ، ومن امتدت إليه يد الإمام فهو تحت القدرة عليه . واختلف من قال هذا في رفعه إلى الإمام ، هل يكون شرطا في القدرة عليه على قولين : أحدهما : لا يكون شرطا : لأنه في الحالين قادر عليه . والثاني : يكون شرطا في القدرة عليه : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سارق رداء
صفوان :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924736هلا قبل أن تأتيني به ، لا عفا الله عني إن عفوت واختلفوا فيما يسقط التوبة عنهم من الحقوق على ثلاثة مذاهب : أحدها : وهو قول
علي عليه السلام أنها تسقط عنهم جميع الحقوق لله عز وجل وللآدميين من الحدود والدماء والأموال . روي أن
حارثة بن زيد خرج محاربا فأخاف السبيل ، وسفك الدماء ، وأخذ الأموال ، وجاء تائبا قبل القدرة عليه ، فقبل
علي عليه
[ ص: 370 ] السلام توبته ، وجعل له أمانا منشورا على ما كان أصاب من دم ومال . والثاني : وهو مذهب
مالك بن أنس أنها تسقط عنهم جميع الحدود والحقوق إلا الدماء : لتغليظها على ما سواها . والثالث : وهو مذهب
الشافعي ،
وأبي حنيفة أنها تسقط عنهم حدود الله تعالى ، ولا تسقط عنهم حقوق الآدميين من الدماء والأموال لاختصاص التوبة بتكفير الإمام دون حقوق العباد .