فصل : فأما
الحدود المستحقة في غير الحرابة ، فقد اختلف قول
الشافعي في سقوطها بالتوبة ، على قولين : أحدهما : لا تسقط بالتوبة ، وهو مذهب
أبي حنيفة : لعموم الظواهر فيها ، ولأن توبة المحارب أبلغ في خلوص الطاعة لخروجه عن القدرة ، فقوي حكمها في إسقاط الحدود عنه . وتوبة غير المحارب تضعف عن هذه الحال : لأن ظاهرها أنها عن خوف ، فضعف حكمها في إسقاط الحدود عنه . والقول الثاني : وهو أظهر ، أنها تسقط بالتوبة كالحرابة : لقول الله تعالى في الزنا :
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما [ النساء : 16 ] وفي قطع السرقة :
فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :
التوبة تجب ما قبلها ، ولأن حدود الحرابة أغلظ من حدود غير الحرابة ، فلما سقط بالتوبة أغلظهما كان أولى أن يسقط أخفهما ، ولأن الحدود موضوعة للنكال والردع ، والتائب غير محتاج إليها ، فسقط عنه موجبها .