مسألة : قال
الشافعي : " ولو شهد شاهدان من الرفقة أن هؤلاء عرضوا لنا فنالونا وأخذوا متاعنا ، لم تجز شهادتهما : لأنهما خصمان ويسعهما أن يشهدا أن هؤلاء عرضوا لهؤلاء ففعلوا بهم كذا وكذا ، وأخذوا منهم كذا وكذا ، ونحن ننظر . وليس للإمام أن يكشفهما عن غير ذلك " . قال
الماوردي : وهذا صحيح ، إذا
أخبر جماعة ادعوا على قوم أحضروهم أنهم قطعوا عليهم الطريق ، وأخذوا منهم أموالا ، وقتلوا منهم رجالا ، فإن اعترفوا لهم طوعا بما ادعوا أخذوا بإقرارهم في النفوس والأموال . وإن أنكروهم أحلفوهم إن عدموا البينة عليهم . وإن اعترف بعضهم وأنكر بعضهم حد المعترف منهم بإقراره ، وأحلف المنكر ، ولم تسمع شهادة المعترف على المنكر : لفسقه بقطع الطريق . فإن شهد للمدعين شاهدان ، فقالوا : نشهد أن هؤلاء قطعوا علينا الطريق ، وأخذوا أموالنا ، وقتلوا منا نفوسا . لم تقبل شهادتهم : لأمرين : أحدهما : لأنهما قد صارا خصمين من جملة المدعين لم يتميزوا عنهم في الشهادة لهم ولأنفسهم ، وشهادة الإنسان لنفسه دعوى ترد ، ولا تقبل منهما في حقهما ولا في حق غيرهما . والثاني : أنهما قد صارا بهذا القول عدوين للمشهود عليهم ، وشهادة العدو على عدوه مردودة . ولو شهد شاهدان على رجل أنه قذف أمهما ، وقذف زيدا ، ردت شهادتهما في قذف أمهما ، وهل ترد في قذف زيد أم لا ؟ على قولين . فإن قيل : فهلا كان في الشهادة على قطاع الطريق ترد في حق أنفسهما ، وتكون في حقوق غيرهما ؟ على قولين . قيل : إذا استعملت الشهادة على أمرين ترد في أحدهما ، ولا ترد في الآخر ، لم يخل حالها فيما ردت فيه من أحد أمرين : إما أن ترد بعداوة أو تهمة ، فإن ردت لعداوة لم تسمع في الآخر ، وإن ردت لتهمة سمعت في الآخر على أحد القولين . والفرق بينهما : أن العداوة موجودة في حق نفسه وحق غيره ، والتهمة توجد في حق نفسه ولا توجد في حق غيره : فلذلك ردت في قطع الطريق ، وجاز أن تقبل في القذف .