الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

ولا يحد برائحة المسكر من فمه ، ولا إذا تقيأ مسكرا .

وقال مالك : أحده برائحة المسكر ، وبقيء المسكر ، استدلالا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ماعز : استنكهوه ، فجعل للرائحة حكما ، ولأن عمر بن الخطاب حد ابنه عبيد الله بالرائحة .

ولأن عثمان بن عفان رضي الله عنه حد الوليد بن عقبة بن أبي معيط في الخمر بشاهدين ، شهد أحدهما أنه شربها ، وشهد الآخر أنه تقيأها ، فقال عثمان : ما تقيأها حتى شربها .

ولأنه لما جاز أن يستدرك برائحة الخمر عند مشاهدتها فيعلم بالرائحة أنها خمر ، جاز أن تستدرك بالرائحة بعد شربها .

ودليلنا : قول الله تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم [ الإسراء : 34 ] وليس له بالرائحة علم متحقق ، فلم يجز أن يحكم به .

ولأنه يجوز أن يكون قد تمضمض بالخمر ثم مجها ، ولم يشربها فلم تدرك رائحتها من فمه على شربها ، ولأنه ربما أكره على شربها ، ولأن رائحة الخمر مشتركة ، يجوز أن يوجد مثلها في أكل النبق ، وبعض الفواكه فلم يقطع به عليها ، ولأن رائحة الخمر قد توجد في كثير من الأشربة المباحة كشراب التفاح والسفرجل وربوب الفواكه .

فلم يجز أن يقطع بالرائحة عليها إذا شوهدت : لأن مشاهدة جسمها ينفي عنها ظنون الاشتباه ، وفي هذا دليل وانفصال .

فأما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باستنكاه ماعز ، فلأنه رآه ثائر الشعر ، متغير اللون ، مقرا بالزنا . فاشتبهت عليه حالته في ثبات عقله أو زواله ، فأراد اختبار حاله باستنكاهه ، ولم يعلق بالاستنكاه حكما . وأما عمر رضي الله عنه : فإنه سأل ابنه حين شم منه الرائحة ، فاعترف بشرب الطلا ، فحده باعترافه .

وأما عثمان : فلأنه لما اقترن بشهادة القيء شهادة الشرب ، جاز أن يعمل عليها ، وإن كان ضعيفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية