فصل :
فإذا تقرر ما ذكرنا من قدر المضمون من الدية ،
لم يخل حال الزيادة التي تعلق الضمان بها من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون الإمام قد أمر بها فيكون الضمان على الإمام دون الجلاد ، وأين يكون ضمانه ؟ على قولين :
أحدهما : يكون ضمانه على عاقلته : لأنه من خطئه ، قد أمر
عمر عليا رضي الله عنهما في التي أجهضت بإرهابها جنينها أن يقسم دية جنينها على قومه من
قريش : لأنهم عاقلة
عمر .
فعلى هذا : تكون الكفارة في ماله : لأن
العاقلة لا تحمل الكفارة ، وإن حملت الدية .
القول الثاني : أن ما لزمه من الدية يكون في بيت المال : لأنه نائب عن كافة المسلمين فاقتضى أن يكون ضمانه في بيت مالهم ، كالوكيل الذي يضمن ما فعله عن موكله في مال موكله ، وإنما ضمن
عمر جنين المرأة على عاقلته : لأنه أرهبها في تهمة لم تتحقق عنده ، فعدل بالضمان لأجل ذلك عن بيت المال إلى عاقلته ، فعلى هذا : في الكفارة وجهان :
أحدهما : في بيت المال ، تعليلا بما ذكرنا .
والوجه الثاني : في ماله : لأن الكفارة لا تحتمل ، وكذلك إذا تحملت العاقلة الدية لم تتحمل الكفارة ، وقد حكى
ابن أبي هريرة عن بعض أصحابنا في ضمان الإمام وجها ثالثا : أنه يضمن فيما يعود نفعه على المضمون ، كتعزير من عزر نفسه أو قدح في عرضه ، فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال .
والقسم الثاني : أن تكون الزيادة من فعل الجلاد ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون الإمام قد فوضه إلى رأيه ، ووكله إلى اجتهاده ، فيكون خطؤه فيه كخطأ الإمام ، فيكون فيما يلزمه من الدية قولان :
أحدهما : على عاقلته .
والثاني : في بيت المال : لأنه قد صار بالتفويض في حكم الإمام .
والضرب الثاني : أن يكون الإمام قد أمره بالحد وحدده ، فزاد الجلاد عليه ،
[ ص: 419 ] فيضمنه الجلاد على عاقلته قولا واحدا : لحدوثها عن تعديه .
والقسم الثالث : أن تكون الزيادة مشتركة بين الإمام والجلاد ، كأن أمره بأن يحده ثمانين فحده مائة ، فمات . فإن قيل : إن
الضمان مقسط على أعداد الضرب ، ضمن الإمام خمس الدية : لأن ضمان الإمام تعلق بأربعين من جملة مائة . وضمن الجلاد خمس الدية : لأن ضمانه بعشرين من مائة . فإن قيل : إن الضمان مقسط على النوع ، فقد اختلف أصحابنا في زيادة الإمام والجلاد ، هل تتنوع أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : تتنوع ، فيكون الحد نوعا لا يتعلق به ضمان ، وزيادة الإمام نوعا يتعلق به الضمان ، وزيادة الجلاد نوعا يتعلق به الضمان ، فتسقط ثلث الدية ، ويجب على الإمام ثلثها ، وعلى الجلاد ثلثها : لاختلاف الإمام والجلاد .
والوجه الثاني : لا تتنوع الزيادة ، وإن اختلف فاعلها لتساويها في تعلق الضمان بها ، فتسقط نصف الدية ويضمن الإمام ربعها ، والجلاد ربعها ، والله أعلم .