فصل :
والحكم الرابع في جواز الدفع ووجوبه ، وهو يختلف على اختلاف المطلوب ، وينقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : ما جاز ولم يجب ، وهو طلب المال ، فالمطلوب بالخيار بين أن
يدفع عن ماله وبين أن يمكن منه ولا يدفع عنه : لأن بذل المال مباح .
والقسم الثاني : ما وجب الدفع عنه ، وهو من
أريد منه قتل غيره من ولد أو زوجة أو أريد من أحدهم الفاحشة ، فالدفع عنه واجب ، وفي الإمساك عنه مأثم : لأن إباحة ذلك محظور .
والقسم الثالث : ما اختلف في وجوبه وجوازه : وهو إذا أريدت نفسه ، وهذا معتبر بالطالب ، فإن كان ممن ليس له زاجر من نفسه كالبهيمة والمجنون ، فواجب على المطلوب أن يدفع عن نفسه ، ويكون في الكف كالأذن في قتل نفسه . وإن كان الطالب من يزجره عن القتل عقل ودين كالمكلف من الآدميين ، ففي وجوب الدفع عن نفسه وجهان ذكرناهما في كتاب الجنايات :
أحدهما : يجب عليه الدفع عن نفسه ، ويكون آثما بالكف : لقول الله تعالى :
ولا تقتلوا أنفسكم [ النساء : 29 ] ولأنه يحرم عليه قتل نفسه وإباحة قتله .
والوجه الثاني : يجوز له الدفع ولا يجب عليه ، وإن كف لم يأثم : لقول الله تعالى في ابني آدم :
لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين [ المائدة : 28 ]
[ ص: 456 ] ولأن للطالب زاجر من نفسه ، ولذلك امتنع
عثمان بن عفان رضي الله عنه من الدفع عن نفسه والله أعلم .