مسألة : قال
الشافعي : " ولو عضه كان له فك لحييه بيده الأخرى . فإن
عض قفاه فلم تنله يداه كان له أن ينزع رأسه من فيه . فإن لم يقدر فله التحامل عليه برأسه إلى ورائه، ومصعدا ومنحدرا . وإن غلبه ضبطا بفيه كان له ضرب فيه بيده حتى يرسله .
فإن بعج بطنه بسكين أو فقأ عينه بيده أو ضربه في بعض جسده ضمن . ورفع إلى
عمر بن [ ص: 457 ] الخطاب رضي الله عنه جارية كانت تحتطب فاتبعها رجل فراودها عن نفسها ، فرمته بفهر أو صخر فقتلته ، فقال
عمر : هذا قتيل الله ، والله لا يودى أبدا " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، إذا عض قفاه فله أن يتوصل إلى خلاصه منه بما قدر عليه ، كما وصفه
الشافعي في الترتيب أن يبدأ ببدنه في فك لحييه ، فإن تخلى بذلك لم يتجاوزه إلى غيره ، فإن تجاوزه ضمن . فإن لم يتخلص منه بيده فله التحامل عليه برأسه من ورائه ، فإن تخلص منه لم يتجاوزه ، فإن تجاوز ضمن . فإن لم يتخلص منه نتر قفاه ولم يضمن أسنانه إن ذهبت ، فإن تجاوزه ضمن . وإن لم يتخلص منه فله أن يعدل إلى أقرب الأمرين من بعج بطنه أو فقء عينه ، ولا يضمن أقربهما ويضمن أبعدهما ، إلا أن لا يتخلص منه إلا بأبعدهما وأغلظهما فلا يضمن . فإن لم يتخلص منه إلا بقتله لم يضمن قتله ، والذي نقله المزني هاهنا : أنه إن بعج بطنه أو فقأ عينه ضمن . محمول على ما وصفنا من الترتيب في القدرة على خلاصه بغير فقء ولا بعج ، فأما إذا لم يقدر على الخلاص إلا بالبعج والفقء فلا ضمان عليه ، وهذا أصل مستمر . فلو قتله واختلف ولي القاتل والمقتول ، فقال القاتل : قتلته دفعا عني : لأني لم أقدر على الخلاص منه إلا بالقتل . وقال وليه : بل كنت قادرا على الخلاص منه بغير القتل . فتعديت بقتله ، فإن كان للقاتل بينة تشهد بما ادعاه سمعت ، ولم يضمن النفس . وإن لم تكن له بينة فالقول قول الولي ، والقاتل ضامن للنفس . وكذلك
الرجل إذا راود جارية على نفسها أو راود غلاما على نفسه فلم يقدر على دفعه إلا بقتله ، لم يضمناه : لحديث
عمر ، ولو قدرا على دفعه بغير قتل ضمناه على الأصل الذي بيناه .