فصل :
ثم نشأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قريش على أحسن هدي وطريقة ، وأشرف خلق وطبيعة ، وأصدق لسان ولهجة ، وكانت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة بنت خويلد ذات شرف ويسار ، وكانت لها متاجر ومضاربات ، فلما عرفت أمانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدق لهجته أبضعته مالا يتجر لها به إلى
الشام مضاربا ، وأنفذت معه مولاها "
ميسرة " ليخدمه في طريقه ، فنزل ذات يوم تحت صومعة راهب ، فرأى الراهب من ظهور كرامات الله ما علم ، أنها لا تكون إلا لنبي منزل ، وقال
لميسرة : من هذا الرجل ؟ فقال : رجل من
قريش من
أهل الحرم . فقال : إنه نبي : وكان
ميسرة يراه إذا ركب تظله غمامة تقيه حر الشمس ، فلما قدم على "
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة " قص
ميسرة عليها حديث الراهب ، وما شاهده من ظل الغمامة ، وتضاعف لها ربح التجارة ، فكانت هذه بشرى ثانية بنبوته ، فرغبت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة في نكاحه ، وكان قد خطبها أشراف
قريش ، فامتنعت ، وسفر بينهما في النكاح "
ميسرة " .
وقيل : مولاة مولدة [ من مولدات
مكة ] . وخافت امتناع أبيها عليه : لفقره ، فعقرت له ذبيحة وألبسته حبرة ، بطيب وعقير ، وسقته خمرا حتى سكر ، وحضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه عمه
حمزة بن عبد المطلب ، واختلف في حضور
أبي طالب معه ، وخطبها من أبيها فأجابه ، وزوجه بها ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ،
وخديجة ابنة أربعين سنة ، ودخل بها من ليلته فلما أصبح
خويلد وصحا ، رأى آثار ما عليه فقال : ما هذا العقير والعبير والحبير ؟ قيل له : زوجت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة بمحمد . قال : ما فعلت : قيل له : قبح بك هذا وقد دخل بها ، فرضي ، ولأجل ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ظهور
[ ص: 6 ] الإسلام :
لا يرفع إلي نكاح نشوان إلا أجزته ، ثم إن
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة كفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمور دنياه ، فكان ذلك من أسباب اللطف ، وولدت له جميع أولاده إلا "
إبراهيم " فكان له منها من البنين "
القاسم " وبه كان يكنى ،
والطاهر ،
والطيب ، ومن البنات "
زينب " و "
رقية " و "
أم كلثوم " و "
فاطمة " ، فمات البنون قبل النبوة ، وعاش البنات بعدها ، ثم إن
قريشا تشاورت في
هدم الكعبة وبنائها ؛ لقصر سمكها وكان فوق القامة ، وسعة حيطانها ، وأرادوا تعليتها ، وخافوا من الإقدام على هدمها ، وكان يظهر فيها حية يخاف الناس منها ، فعلت ذات يوم على جدار
الكعبة ، فسقط طائر فاختطفها ، فقالت
قريش : إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا ، وكان البحر قد ألقى سفينة على ساحل " جدة " لرجل من تجار
الروم ، فهدموا
الكعبة ، وبنوها وأسقفوها بخشب السفينة ، وذلك بعد عام الفجار بخمس عشرة سنة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن خمس وثلاثين سنة ، فلما أرادوا وضع الحجر في الركن ، تنازعت فيه قبائل
قريش ، وطلبت كل قبيلة أن تتولى وضعه ، فقال
أبو أمية بن المغيرة ، وكان أسن
قريش كلها حين خاف أن يقتتلوا عليه : يا معشر
قريش ، تقاضوا إلى أول من يدخل من باب هذا المسجد ، فكان أول داخل عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : هذا "
محمد " وهو الأمين وكان يسمى قبل النبوة " الأمين " لأمانته وعفته ، وصدقه ، وقالوا : قد رضينا به ، فلما وصل إليهم أخبروه فقال : ائتوني ثوبا ، فأتوه بثوب فأخذ الحجر ووضعه فيه بيده ، وقال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، وارفعوه جميعا ففعلوا ، فلما بلغ الحجر إلى موضعه وضعه فيه بيده ، فكان هذا الفعل منهم ووقوع الاختيار عليه من بينهم من الأمارات ما يحدده الله تعالى به من دينه ، وشواهد ما يؤتيه من نبوته .