فصل : ولما كان في العام المقبل حج من
الأوس والخزرج سبعون رجلا ، وكان فيهم
البراء بن معرور ، فصلى إلى
الكعبة حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : لا أتركها وراء ظهري . ثم سأله عنها فقال له : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها فعاد واستقبل
[ ص: 20 ] بيت المقدس ، وكان أول من استقبل
الكعبة ، وهو أول من أوصى بثلث ماله ، وواعدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
العقبة في أوسط أيام التشريق فيأتوا تلك الليلة في رحالهم ، ثم خرجوا منها بعد ثلاث ليال لموعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحضروا شعب
العقبة ، ووافى رسول الله ومعه عمه
العباس بن عبد المطلب وأبو بكر وعلي ، فأوقف
العباس على فم الشعب عينا له ، وأوقف
أبا بكر على فم الطريق الآخر عينا له ، وتلا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن ، وأخذ عليهم الإسلام فأسلموا جميعا ، وقد كان فيهم من لم يكن قد أسلم ، ثم قال
للعباس وهو على دين قومه : خذ عليهم العهد وكانوا أخواله ؛ لأن
أم عبد المطلب كانت
سلمى بنت عمرو من بني النجار من الخزرج ، فقال
العباس : يا معشر
الخزرج إن
محمدا منا في عز من قومه ، ومنعة في بلده وقد أبى إلا الانقطاع إليكم ، واللحوق بكم : فإن منعتموه مما تمنعوا منه أنفسكم ، وإلا فدعوه بين قومه ، وفي بلده ، فقال
البراء بن معرور : بل نمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ، فقال
أبو الهيثم بن التيهان : يا رسول الله إن بيننا وبين الناس حبالا يعني
اليهود وإنا قاطعوها ، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924846لا بل الدم الدم ، والهدم الهدم أنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم . فأقبل
أبو الهيثم بن التيهان على
الأنصار ، وقال : يا قوم هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقا ، وأشهد بالله إنه لصادق ، وإنه اليوم لفي حرم الله ، وبين عشيرته ، واعلموا أنكم إن تخرجوه إليكم ترميكم العرب عن قوس واحدة : فإن كانت أنفسكم قد طابت بالقتال ، وذهاب الأموال والأولاد فادعوه ، وإلا فمن الآن . فقالوا : يا رسول الله اشترط علينا لربك ولنفسك ما تريد : فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924847أشترط لربي أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني عما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم فأجابوه وأحسنوا ، فقال
عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ، قد اشترطت لربك ولنفسك ، فماذا لنا إذا أوفينا لله ورسوله ؟ فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم :
لكم على الله الوفاء بالجنة فقال
ابن رواحة : قد قبلنا من الله ما أعطانا ، ثم قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
اختاروا منكم اثني عشر نقيبا كما اختار موسى من قومه ، وقال للنقباء : أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ، ككفالة الحواريين ، يعني ابن مريم قالوا نعم : فبايعوه على هذا ، وكان أصغر من حضر سنا
أبو مسعود البدري وجابر بن عبد الله .
واختلفوا في أول من بايعه ، فقال قوم :
أبو الهيثم بن التيهان .
وقال آخرون :
البراء بن معرور .
[ ص: 21 ] وقال آخرون :
أسعد بن زرارة ، وكانت هذه
البيعة على حرب الأحمر والأسود ، والبيعة الأولة - بيعة النساء - على غير حرب ، وعادوا إلى
المدينة على هذا .