[ غزوة
بدر الكبرى ]
ثم غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
غزوة بدر الكبرى .
وسببها أن عير
قريش التي خرج بسببها إلى ذي العشيرة ففاتته ، أقبلت عائدة من
الشام ، فيها أموال
قريش ، وعليها
أبو سفيان بن حرب ، فأنفذ
طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد : ليعودوا بخبرها ، فلما تأخرا عنه ، خرج بعدها بعشرة أيام في يوم السبت الثاني عشر من شهر رمضان بعد تسعة عشر شهرا من هجرته ، وعسكر في بئر
أبي عتبة على ميل من
المدينة حتى عرض أصحابه ، وكانوا في رواية
ابن إسحاق ثلاثمائة رجل ، وثلاثة عشر رجلا عدة أصحاب
طالوت حين عبر النهر لقتال
جالوت .
وفي رواية
الواقدي ثلاثمائة وخمسة رجال ضم إليهم في القسم ثمانية لم يشهدوا
بدرا ، فصارت الروايتان متفقتين : لأن
ابن إسحاق عد الثمانية فيهم ،
والواقدي لم يعدها فيهم ، ومن الثمانية ثلاثة من
المهاجرين عثمان بن عفان أقام لمرض زوجته
nindex.php?page=showalam&ids=10733رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قبضت قبل مقدمه من
بدر ،
وطلحة ،
وسعيد ، أنفذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاستعلام حال العير . وخمسة من
الأنصار ، وهم
أبو لبابة بن عبد المنذر خلفه على
المدينة ،
وعاصم بن عدي خلفه على
أهل العالية ،
والحارث بن حاطب رده من
الروحاء إلى
بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم ،
الحارث بن الصمة أسر
بالروحاء ،
وخوات بن جبير كسر .
ورد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استعرض أصحابه خمسة لصغرهم وهم :
عبد الله بن عمر ،
وزيد بن ثابت ،
ورافع بن خديج ،
والبراء بن عازب ،
وأسيد بن ظهير ، وكان عدة المهاجرين سبعة وسبعين رجلا ، وعدة
الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلا ، منهم من
[ ص: 27 ] الأوس أحد وستون رجلا والباقون من
الخزرج ، وكانت
أول غزوة غزا فيها الأنصار ، وكانت إبلهم سبعين بعيرا ، يتعقب الثلاثة على البعير ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وعلي بن أبي طالب ،
وأبو لبابة على بعير ، وكانت الخيل فرسين : أحدهما
للمقداد بن عمرو ، والآخر
لمرثد بن أبي مرثد ، وكان صاحب راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
علي بن أبي طالب ، وصاحب راية
الأنصار سعد بن عبادة ، وعرف
أبو سفيان خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأخذ العير ، فاستنفر
قريشا : لحماية العير فخرجت قبائل
قريش كلها إلا
بني عدي فلم يخرج أحد منهم ،
وبنو زهرة حرضوا فلما نجت العير عادوا مع
الأخنس بن شريق ، وكانوا مائة رجل ، فلم يشهد
بدرا من هاتين القبيلتين أحد ، ولما فاتت العير ، وكان خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأجلها ، لا للقتال ليقوى المسلمون بمالها على الجهاد ، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج بهم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924858اللهم إنهم حفاة فاحملهم ، اللهم إنهم عراة فاكسهم ، اللهم إنهم جياع فأشبعهم .
فسمع الله دعوته ، فما رجع منهم رجل إلا بحمل ، أو حملين واكتسوا ، وشبعوا ، ولم يكن المسلمون قد تأهبوا للقاء العدو ، وعاد من كان عينا عليهم فأخبر بمن فيهم من أشراف
قريش ، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا فيهم مائة فارس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه :
هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ، فماذا تأمرون ؟ فإن الله قد أراني مصارع القوم ؟ فقال له المقداد بن عمرو : يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك ، والله لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون [ المائدة : 24 ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا معكم مقاتلون ، فأعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاستشارة فقال له سعد : يا رسول الله كأنك تريد الأنصار قال : أجل . قال : قد آمنا بك فصدقناك وبايعناك على السمع والطاعة ، فامض لم أردت ، فوالله لو استعرضت بنا البحر وخضته لخضناه ، فسر بنا على بركة الله ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لقي قريشا ببدر : فأظفره الله بهم ، وذلك في يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان ، وقيل : في الثامن عشر ، فقتل منهم سبعون رجلا ، فيهم أشرافهم ، وأسر منهم سبعون رجلا ، وغنمت أموالهم ، وقتل من المسلمين أربعة عشر رجلا منهم من
المهاجرين ومن
الأنصار ثمانية ، وأحيزت الغنائم فاختلفوا فيها : فجعلها الله تعالى
[ ص: 28 ] خالصة لرسوله وفيها نزل قوله تعالى :
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله [ الأنفال : 1 ] .
قال
عبادة بن الصامت : فينا أصحاب
بدر نزلت هذه الآية حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله منا ، وجعله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسمه بين المسلمين على سواء ، ونفل بالنفل حتى خرج من مضيق ، ونزل على سير فقسمه بها ، وأنفل فيها سيفه ذا الفقار وكان
لمنبه بن الحجاج ، وجمل
أبي جهل ، وكان مهريا ، يغزو عليه ، وقتل بها من الأسرى
النضر بن الحارث ، قتله
علي بن أبي طالب ، ولما بلغ
عرق الظبية أمر بقتل
عقبة بن أبي معيط فقال : من للصبية يا
محمد قال : النار ، فقتله
عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، وسار بالأسرى ، حتى وصل المدينة فخرج أهلها يهنئونه بقدومه ، ودخل من
ثنية الوداع في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر رمضان ، فتلقاه الولائد بالدفوف وهن يقلن :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
وقال لأصحابه :
استوصوا بالأسارى خيرا ، ثم
استشار أصحابه فيهم ، فقال
أبو بكر : يا رسول الله هم أهلك ، وعشيرتك ، فاستبقهم ، وخذ الفداء منهم قوة ، فلعل الله أن يهديهم فيكونوا عضدا ، وقال
عمر : يا رسول الله كذبوك وأخرجوك ، وهم قادتهم وصناديدهم ، قدمهم فاضرب أعناقهم حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للكفار ، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل ، فقال أناس : يأخذ بقول
أبي بكر ، وقال أناس : يأخذ بقول
عمر ، ثم خرج عليهم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924861إن الله ليلين قلوب الرجال حتى تكون ألين من اللبن ، وليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال : فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم [ إبراهيم : 36 ] . ومثلك مثل عيسى قال : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [ المائدة : 118 ] . ومثلك يا عمر مثل نوح قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [ نوح : 26 ] . ومثلك مثل موسى قال : ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم [ يونس : 88 ] . ثم قال : أنتم اليوم عالة ، فخذوا الفداء ، ففودي كل أسير بأربعة آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف ، إلى ألفين ، إلى ألف ، ومن لم يكن له مال - وكان يحسن الكتابة : لأن الخط كان في
أهل مكة ، ولم يكن في
أهل المدينة - كان فداؤه أن يعلم عشرة من غلمان
المدينة الخط ، وكان
زيد بن ثابت فيمن علم ، ومن على من سواهم ، وفيهم
أبو عزة الجمحي فشرط عليه أن لا يعود لحربه أبدا ، وكان في الأسرى
العباس بن عبد المطلب ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924862افد نفسك وابني أخيك نوفلا وعقيلا فقال : إني مسلم وأخرجت كرها ، ولا [ ص: 29 ] مال لي ، فقال : إن كنت مسلما فأجرك على الله ، ومالك عند أم الفضل دفعته لها يوم خروجك ، ووصيت به لأولادك ، فقال : إن الله ليزيدنا بك بيانا ، وفدا نفسه وابني أخيه بمائة وثلاثين أوقية ورقا ، وكان في الأسرى
أبو العاص بن الربيع زوج
nindex.php?page=showalam&ids=437زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ابن أخت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة : فلذلك تزوجها ، وكانت
رقية زوجة
عتبة بن أبي لهب فقالت
قريش لهما : انزلا عن ابنتي
محمد نزوجكما بمن أحببتما من نساء
قريش ، فنزل
عتبة بن أبي لهب عن
رقية وتزوجت
عثمان بن عفان ، وامتنع
أبو العاص بن الربيع من النزول عن
زينب ، فلما أسر أنفذت
زينب في فدائه قلادة لها جهزتها
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة بها ، فرآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرفها ، فرق لها ، وقال لأصحابه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924863إن رأيتم أن تمنوا على أسيرها فمنوا عليه وشرط عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخلي سبيلها ، وأنفذ
زيد بن حارثة إلى
مكة ، حتى حملها إلى
المدينة ، وأسلم
أبو العاص بن الربيع ، فرد عليه
زينب .
قال
ابن عباس : " بعد ست سنين بالنكاح الأول ، فلم يحدث شيئا " ، وهذه الرواية إن صحت عن
ابن عباس ، وقد كان الإسلام فرق بينهما ، يحتمل أن يريد بقوله : " بالنكاح الأول " أي لأجل النكاح الأول : لأنه لولاه لعدل إلى غيره من السابقين الأولين .
وقوله : " ولم يحدث شيئا " أي لم يحدث صداقا زائدا ، فلما أخذ المسلمون فداء أسرى
بدر عاتب الله تعالى رسوله عليه فقال :
ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض الآية [ الأنفال : 67 ] . ومات أبو لهب
بمكة : لأنه تأخر عن
بدر بعد سبع ليال من نعي
أهل بدر بالغرسة ، وترك ليلتين حتى أنتن هربا من عدواها ، وخضع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد
بدر جميع المنافقين
واليهود .