فصل : [ غزوة
خيبر ]
ثم دخلت سنة سبع ، وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
غزوة خيبر في جمادى الأولى ، وهي على ثمانية برد من
المدينة ، وقيل غزاها في المحرم ، نادى في الناس بالخروج إلى جهاد
خيبر فتجهزوا ، وخرجوا ، واستخلف على
المدينة سباع بن عرفطة الغفاري ، وأخرج معه
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، وفرق الرايات على أصحابه ، ولم يكن قبل
خيبر رايات ، وإنما كانت الألوية وكانت راياته سوداء اتخذها من برد
لعائشة - رضي الله عنها - فدفع إلى
علي بن أبي طالب راية ، وإلى
سعد بن عبادة راية ، وإلى
الحباب بن المنذر راية ، وسار إلى
خيبر ، فنزل بينها وبين
غطفان لئلا يظاهروا
أهل خيبر عليه ، وقال حين رأى
خيبر nindex.php?page=hadith&LINKID=924889الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأموال فأخذها ثم فتحها حصنا حصنا ، فكان أول حصن فتحه
حصن ناعم ، وعنده قتل
محمود بن مسلمة برحا ألقي عليه من الحصن ، ثم فتح بعده
القموص حصن
ابن أبي الحقيق ، واصطفى من سباياه
nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي بن أخطب كانت عند
كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، ثم أعتقها ، وتزوجها ، وجعل عتقها صداقها ، ورأى في وجهها أثرا ، فقال : ما هذا الأثر : فذكرت أنها رأت في المنام - وهي عروس
بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق - أن قمرا وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها فقال : ما هذا إلا أنك تريدين ملك
الحجاز محمدا ، ولطم وجهها فاخضر من لطمته ، وهذا أثره ، وأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وكان عنده كنز
لبني النضير ، فسأله عنه فأنكره ، فأتاه يهودي فأخبره أنه كان يطيف بهذه الخربة كل غداة ، فقال
لكنانة :
إن وجدت هذا الكنز عندك أقتلك ؟ قال : نعم . فأمر بالخربة ، فحفرت فخرج منها بعض الكنز ، وسأله عن باقيه فأنكره ، فسلمه إلى
الزبير فعذبه حتى استخرج منه الباقي ثم سلمه إلى
محمد بن مسلمة حتى قتله بأخيه
محمود بن مسلمة .
قال
الزهري : ولم يسب أحد من
أهل خيبر إلا
آل أبي الحقيق لأجل هذا .
[ ص: 53 ] ثم فتح
حصن الشق ،
وحصن النطاة ،
وحصن الصعب بن معاذ ، وكان أكبر الحصون ، وأكثرها مالا ،
وحصن الكتيبة ، وبقي
حصن الوطيح ،
وحصن السلالم ، فحاصرهما بضع عشرة ليلة ، وعندهما اشتد القتال ، وبرز
مرحب اليهودي ، وهو يرتجز ويقول :
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب أطعن أحيانا وحينا أضرب
أكفي إذا أشهد من تغيب فإذا الليوث أقبلت تحرب
كأن حماي للحمى لا يقرب
فبرز إليه من مثله ، واختلف في قاتله ، فحكى
جبار بن عبد الله أنه برز إليه
محمد بن مسلمة فقتله .
وحكى
بريدة الأسلمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ربما أخذته الشقيقة ، فيلبث فيها اليوم واليومين لا يخرج ، فأخذته الشقيقة
بخيبر ، فلم يخرج إلى الناس ، فأخذ الراية
أبو بكر ونهض فقاتل قتالا شديدا ، ورجع ثم أخذ الراية
عمر فنهض ، وقاتل قتالا شديدا ، ثم رجع وبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924891والله لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله فلما كان من الغد
دفع الراية إلى علي ، وكان بعينه رمد ، فتفل فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ريقه وخرج ، فبرز إليه
مرحب مرتجزا بما قال من رجزه :
أنا الذي سمتني أمي مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
فبرز إليه
علي ، وهو يقول :
أنا الذي سمتني أمي حيدره أكيلكم بالسيف كيل السندره
ليث غابات شديد قسوره
فاختلفا ضربتين ، فضربه
علي فقتله ، ثم فتح الحصنين الباقيين ، ولما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدت له
زينب بنت الحارث اليهودية ، وهي بنت أخي
مرحب وامرأة
سلام بن مشكم شاة مصلية مسمومة ، وأكثرت من سمها في الذراع : لأنه كان أحب
الشاة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ الذراع ومضغه ، ولم يسغه وأكل معه
بشر بن البراء بن معرور ، فأما
بشر فمات ، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه قال :
إن العظم ليخبرني أنه [ ص: 54 ] مسموم ودعى بالمرأة ، وسألها ، فاعترفت فقال : ما حملك على هذا : فقالت : بلغت من قومي ما بلغت ، فقلت : إن كان نبيا فسيخبر ، وإن كان ملكا استرحنا منه ، واختلف فيها هل قتلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا ؟ فحكى
الواقدي أنه قتلها ، وحكى
ابن إسحاق أنه تجاوز عنها ، وأن
أم بشر بن البراء بن معرور دخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه فقال لها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924892يا أم بشر إن هذا أوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلتها مع ابنك بخيبر .
والأبهر عرق في الظهر ، فكان قوم يرون أنه مات - مع كرامة الله [ له بالنبوة ] - شهيدا .
ولما جمعت الغنائم استعمل عليها
فروة بن عمرو البياضي ، وأمر
زيد بن ثابت إحصاء الناس ، فكانوا ألفا وأربعمائة ، والخيل مائتا فرس ، فجعل لكل فارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهما ، فقسم
خيبر على ستة وثلاثين سهما ، جعل نصفها ثمانية عشر سهما لنوائبه ، ونصفها ثمانية عشر سهما للغانمين ، فأعطى كل مائة سهما ، وعامل
أهل خيبر بعد زوال ملكهم عنها على الشطر من ثمرها حتى أجلاهم
عمر عنها : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عند مساقاتهم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923412أقركم ما أقركم الله ، وكانت حصونهم ثمانية أخذ منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنصف الذي له ثلاثة حصون :
الكتيبة ،
والوطيح ،
والسلالم ، ودفع إلى المسلمين بالنصف خمسة حصون :
ناعم ،
والقموص ،
وشق ،
والنطاة ،
وحصن الصعب بن جثامة .
وفي
خيبر حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
نكاح المتعة وأكل الحمر الأهلية .
وفي
خيبر قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
الدوسيون ، وفيهم
أبو هريرة ، وقدم عليه
الأشعريون ، وقدم عليه من أرض
الحبشة من تخلف بها من
المهاجرين ، وكانوا ستة عشر نفسا ، فيهم
جعفر بن أبي طالب في سفينتين حملهم
النجاشي فيها ، وكان قد أرسل
لعمرو بن أمية الضمري في حملهم إليه ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
ما أدري بأيهما أسر بقدوم جعفر ، أو بفتح خيبر وقدمت
nindex.php?page=showalam&ids=10583أم حبيبة بنت أبي سفيان بعد أن تزوجها
[ ص: 55 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأرض
الحبشة من
خالد بن سعيد بن العاص ، وساق
النجاشي صداقها أربعمائة دينار ، وقتل
بخيبر من
اليهود ثلاثة وتسعين رجلا ، وقتل من المسلمين خمسة عشر رجلا ، ولما سمع
أهل فدك ما فعل
بأهل خيبر بعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحقن دماءهم ، ويسيرهم ويخلوا له أموالهم ، ومشى بينه وبينهم
محيصة بن مسعود ، فاستقر على هذا ، وصارت
فدك خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لأنه أخذها بلا إيجاف خيل ولا ركاب ، فكانت فيئا له ، وكانت خير غنيمة للمسلمين .
ولما صالح
أهل خيبر على النصف من الثمر صالح
أهل فدك على مثله : لهم نصف الثمر بعملهم ، ونصفه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفيء .
وعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
خيبر إلى
وادي القرى ، ثم سار إلى
المدينة وفي سفره هذا نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ، فأمر
بلالا فأقام الصلاة ، وصلى فلما سلم أقبل على الناس ، وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924894إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله تعالى يقول : وأقم الصلاة لذكري [ طه : 14 ] .
ولما عاد إلى
المدينة اتخذ منبره درجتين والمستراح ، وصار يخطب عليه بعد الجذع الذي كان يستند إليه ، ولما عدل عنه إلى المنبر حن إليه .