فصل : [ ذكر حوادث سنة إحدى عشرة
تجهيز جيش أسامة ]
ثم دخلت سنة إحدى عشرة ، فيها جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش
أسامة بن زيد إلى
أهل أبنى ، وهي أرض
السراة ناحية
البلقان من أرض
الشام .
قال أصحاب السير : لما كان يوم الاثنين السادس والعشرين من صفر ، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتأهب لغزو
الروم ، فلما كان من الغد دعا
أسامة بن زيد ، وقال : سر إلى موضع مقتل أبيك ، فأوطئهم الخيل ، فقد وليتك هذا الجيش ، فأسرع السير واسبق الأخبار ، وخذ معك الأدلاء ، وقدم العيون ، واغز صباحا على
أهل أبنى : فأوطئهم الخيل فإن ظفرك الله بهم فأقلل اللبث . فلما كان من الغد وهو يوم الأربعاء الثامن والعشرين من صفر ،
مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فحم وصدع ، فلما كان في يوم الخميس عقد
لأسامة لواء بيده ثم قال : اغز باسم الله ، في سبيل الله ، فقاتل من كفر بالله : فخرج بلوائه معقودا ، وعسكر
بالجرف ، وانتدب معه وجوه
المهاجرين والأنصار ، فيهم
أبو بكر وعمر ،
وأبو عبيدة بن الجراح ،
وسعد بن أبي وقاص ،
وسعيد بن زيد ، فتكلم قوم من تأمير
أسامة ، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك في يوم السبت العاشر من شهر ربيع الأول وهو معصب قد شد رأسه ، فصعد المنبر وقال بعد حمد الله والثناء عليه : بلغني عن بعضكم في تأميري
أسامة بن زيد ، ولئن طعنتم فيه فقد طعنتم في تأمير أبيه من قبله ، وايم الله إن كان للإمارة لخليقا ، وإن ابنه من بعده لخليق بالإمارة ، وإنهما أهل لكل خير ، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم وعاد إلى منزله وجاء من انتدب معه من المسلمين يودعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويمضون إلى المعسكر
بالجرف ، فثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول :
أنفذوا بعث أسامة .
فلما كان يوم الأحد اشتد مرضه ، فدخل
أسامة ، فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغمورا ، وهو اليوم الذي كدوه فيه ، فقبل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج إلى معسكره ، وعاد في يوم الاثنين ، ودخل عليه فوجده مغيبا ، فقال له : اغز على بركة الله ، فودعه
أسامة وخرج إلى معسكره ، وأمر الناس بالرحيل ، فأنفذت إليه
أم أيمن رسولا تقول له : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يموت فعد فأقبل ومعه
عمر ،
وأبو عبيدة فوجدوا
[ ص: 91 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجود بنفسه ، فتوفي حين زاغت الشمس من يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، فدخل جيش
أسامة بن زيد إلى
المدينة ، فلما بويع
أبو بكر بالخلافة أمر جيش
أسامة بالخروج ، وأمر
أسامة بالمسير إلى الوجه الذي أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه المسلمون في حبسهم : لقتال أهل الردة ، فامتنع ، وقال : لا أستوقف جيشا أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمسير ، وسأل
أبو بكر أسامة أن يأذن
لعمر في التخلف عنه ففعل .
وسار بهم
أسامة في هلال شهر ربيع الآخر إلى
أهل أبنى في عشرين يوما ، فشن عليهم الغارة وقتل من أشرف منهم ، وقتل قاتل أبيه ، وسبى من قدر عليه ، وحرق عليهم منازلهم ، وأقام بقية يومه وعاد موفورا ، وما أصيب من المسلمين أحد وخرج
أبو بكر - رضي الله عنه - مع
المهاجرين والأنصار مستقبلين لهم سرورا بسلامتهم .