الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ذكر الدنانير التي قسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ]

وكان قد بقي عنده مال أصابه ستة دنانير ، تركها عند عائشة رضي الله عنها ، فاستدعاها وفرقها وقال : ما ظن محمد لو لقي الله وهي عنده ، فلما جد به الموت أرسلت عائشة - رضي الله عنها - بمصباحها إلى امرأة من الأنصار وقالت : اقطري فيه من سمن عكتك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمسى في شديد الموت .

[ ذكر ما قاله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه قبل الوفاة ]

وروى أبو هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم لا تجعل قبري وثنا ، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

وروى ابن عباس قال : اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخميس ، واشتد وجعه ، فقال : ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ، فقال بعض من كان عنده إن نبي الله يهجر استفهموه فأعادوه فقال : دعوني ، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ، وأوصى بثلاث فقال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم ، وسكت عن الثالثة .

[ ص: 93 ] وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا فاطمة في مرضه هذا فناجاها فبكت ، ثم ناجاها فضحكت ، فلما مات سألتها عن بكائها وضحكها فقالت : إنه أخبرني أنه يقبض في مرضه هذا فبكيت ، ثم أخبرني أني أول أهله لحوقا به ، وأنني سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم ابنة عمران فضحكت .

وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتماع الأنصار في مسجده رجالهم ونساؤهم وصبيانهم يبكون عليه ، فأمر أن يصب عليه سبع قرب من سبع آبار ، فاغتسل ووجد راحة ، فخرج فصلى بالناس ثم خطبهم فقال : يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون ، وأصبحت الأنصار لا تزيد على هيأتها التي هي عليها اليوم ، وهم عيبتي التي أويت إليها ، وكرشي التي آكل فيها ، فاحفظوني فيهم ، أكرموا كريمهم ، وأحسنوا إلى محسنهم ، لكل نبي تركة ، وإن الأنصار تركتي . وقال للأنصار : يا معشر الأنصار ، إنكم تلقون بعدي أثرة ، قالوا : يا نبي الله فما تأمرنا ؟ قال : آمركم أن تصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، وكان آخر مجلس جلسه حتى قبض .

ولما ضعف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخروج للصلاة بأصحابه قال أصلى الناس ؟ فقيل لا هم ينتظرون خروجك إليهم ، فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فقالت عائشة : إن أبا بكر رجل رقيق : إذا وقف موقفك بكى ، ولم يسمع الناس فلو أمرت عمر يصلي بالناس فقال : إنكن صواحب يوسف ، مروا بلالا فليؤذن ، ومروا أبا بكر فليصل بالناس ، فحضر أبو بكر ، فصلى بالناس وكانت صلاة عشاء الآخرة ، وتأخر بعض الصلوات ، فتقدم عمر ، فصلى فسمع تكبيره ، فقال : من هذا ؟ قيل : عمر ، قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فصلى بهم أبو بكر فلما كان في يوم الاثنين وكان أبو بكر في صلاة الصبح ، وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكونا من وجعه قال : إن الله تعالى جعل قرة عيني في الصلاة ، فكشف الستر

. وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوكأ على الفضل بن العباس وثوبان مولاه حتى دخل المسجد والناس مع أبي بكر وهم قيام في الثانية من الصبح ، فوقف على يمين أبي بكر ، فاستأخر أبو بكر ، فأعاده إلى موقفه وجلس ، وأبو بكر قائم حتى تمت صلاة أبي بكر ، وأتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الركعة الثانية وقال بعد فراغه : لم يقبض نبي قط حتى يؤمه رجل من أمته ، ومات في بقية يومه ذلك ، وكان عدد ما صلى أبو بكر بالناس سبع عشرة صلاة .

وقيل لعائشة : لم راجعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعدل بالصلاة عن أبيك إلى عمر ؟ قالت : لأنه وقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية