مسألة : قال
الشافعي : " ودل كتاب الله عز وجل ، ثم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يفرض
الجهاد على مملوك ولا أنثى ، ولا على من لم يبلغ : لقول الله تعالى
وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله فحكم أن لا مال للملوك وقال
حرض المؤمنين على القتال فدل على أنهم الذكور ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=924982وعرض ابن عمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فرده ، وعرض عليه عام الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه ، وحضر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة عبيد ونساء غير بالغين فرضخ لهم وأسهم لضعفاء أحرار وجرحى [ ص: 114 ] بالغين فدل على أن السهمان إنما تكون إن شهد القتال من الرجال الأحرار فدل بذلك أن لا فرض على غيرهم في الجهاد " .
قال
الماوردي : من يسقط عنه فرض الجهاد ضربان :
أحدهما : من يسقط عنه بعذر وإن كان في أهله ويأتي ذكرهم في الباب الآتي .
والضرب الثاني : من يسقط عنه : لأنه ليس من أهله .
والفرق بين الضربين أن من سقط عنه بعذر أسهم له إذا حضر ، ومن سقط عنه لغير عذر لم يسهم له إذا حضر : اعتبارا بصلاة الجمعة ، أن من سقط فرضها عنه بعذر لزمته إذا حضرها ، ومن سقطت عنه بغير عذر لم تلزمه إذا حضرها : اعتبارا بالحج أن من سقط عنه فرضه - لأنه ليس من أهله - لم يجز إذا حج عن فرضه ، ومن سقط عنه بغير عذر أجزأه إذا حج عن فرضه .
فإذا تقرر ما وصفنا ففرض الجهاد متوجه إلى من تكامل فيه أربعة شروط :
أحدها :
الحرية ، فإن كان عبدا أو مكاتبا أو مدبرا أو فيه جزء من الرق - وإن قل - فليس من أهل الجهاد ، ولا يدخل فيمن توجه إليه فرض الكفاية لقوله تعالى :
وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله [ التوبة : 41 ] . وهذا خطاب لا يتوجه إلى المملوك : لأنه لا يملك ، فصار داخلا في قوله تعالى :
ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج " [ التوبة : 91 ] لأن العبد لا يجد ما ينفق ، وروى
عبد الله بن عامر بن ربيعة قال :
غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمررنا بقوم من مزينة ، فتبعنا مملوك لامرأة منهم فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : استأذنت مولاتك ؟ فقال : لا ، فقال : لو مت لم أصل عليك ، ارجع واستأذنها ، وأقرئها مني السلام ، فرجع فاستأذنها فأذنت له .
وروي
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أسلم على يده رجل لا يعرفه سأل : أحر هو أم مملوك ؟ فإن قال : أنا حر بايعه على الإسلام والجهاد ، وإذا قال : أنا مملوك بايعه على الإسلام ولم يبايعه على الجهاد ، ولأنه لا يسهم له ، ولو كان من أهل الجهاد أسهم له ، ولأن العبادة إذا تعلقت بقطع مسافة بعيدة خرج العبد من فر منها كالحج ، ولا ينتقض بالهجرة : لأن المسافة فيها هي العبادة ، والمسافة في الحج والجهاد يتعلق بها فر من العبادة وليست هي العبادة .
والشرط الثاني :
الذكورية ، فإن كانت امرأة أو
خنثى مشكلا فلا جهاد عليها ، ولا يتوجه فرض الجهاد إليها لقول الله تعالى :
ياأيها النبي حرض المؤمنين على القتال [ ص: 115 ] [ الأنفال : 65 ] . وإطلاق لفظ المؤمنين يتوجه إلى الرجال دون النساء ، ولا يدخلن فيه إلا بدليل ، وهو مذهب
الشافعي .
وروى
معاوية بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=16270عائشة بنت طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924985سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد قال : جهادك : الحج . وروى
أبو سلمة عن
أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924986جهاد الكبير الضعيف والمرأة الحج والعمرة ، ولأن مقصود الجهاد القتال ، والنساء يضعفن عنه .
روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=924987أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة مقتولة ، فقال : ما بال هذه تقتل ولا تقاتل ولاستفاضة ذلك في الناس ، قال فيه الشاعر
عمر بن أبي ربيعة وقد مر بامرأة مقتولة :
إن من أكبر الكبائر عندي قتل بيضاء حرة عطبول كتب القتل والقتال علينا
وعلى الغانيات جر الذيول
ولأنهن عورة يجب صونهن عن بذلة الحرب ، ولأنهن لا يسهم لهن لو حضرن ، ولو توجه الفرض إليهن لأسهم لهن .
والشرط الثالث :
البلوغ ، فإن كان صبيا فلا جهاد عليه ، ولا يتوجه فرض الكفاية إليه ، لقول الله تعالى :
ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج [ التوبة : 91 ] وفي الضعفاء تأويلان :
أحدهما : أنهم الصبيان وهو أظهر .
والثاني : المجانين ، ولم يرد بالضعف الفقر : لأنه قال :
ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ولقول النبي ، صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922334رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه : ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد
زيد بن ثابت ،
ورافع بن خديج ،
والبراء بن عازب ،
وأنس بن مالك ،
وعبد الله بن عمر يوم بدر لصغرهم .
وروى
نافع عن
ابن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924988عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فردني ولم يجزني في القتال وعرضت عليه يوم الخندق ، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ؛ ولأن القتال تكليف ، والصبي غير مكلف ، ولأنه ذرية يقاتل عنه ، ولا يقاتل : ولأنه يضعف عن معرفة القتال ومقاومة الرجال : ولأنه لا يسهم له لو حضر .
[ ص: 116 ] والشرط الرابع :
العقل ، فلا يتوجه فرض الجهاد إلى مجنون ، ومن لا يصح تمييزه وتحريره لما قدمناه ؛ ولأن حضوره مفض لقلة تمييزه . إما إلى الهزيمة ، وإما إلى إلقاء نفسه إلى التهلكة ، وكلاهما ضرر .
فإذا استكملت هذه الشروط الأربعة في مسلم ، كان من استكملت فيه من أهل الجهاد ، وتوجه فرض الكفاية إليه سواء كان يحسن القتال أو لا يحسن : لأنه إن كان يحسن القتال حارب ، وإن كان لا يحسن كثر وهيب أو تخلف عن الوقعة لحفظ رحال المحاربين ، فكان لخروجه معهم تأثير .
ويجوز للإمام أن يأذن للعبيد في الجهاد إذا خرجوا مع ساداتهم أو بإذنهم .
ويأذن في خروج غير ذوات الهيئات من النساء : لمداواة الجرحى ، وتعليل المرضى ، وإصلاح الطعام : فقد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في غزواته ، ويأذن في خروج من اشتد من الصبيان : لأنهم أعوان ، ولا يأذن في خروج المجانين لأن خروجهم ضار .
فأما البلوغ فقد ذكره
الشافعي هاهنا ، وقد قدمنا شرحه في كتاب الحجر وغيره بما أغنى عن إعادته ، وبالله التوفيق .