[ ص: 117 ] باب :
من له عذر بالضعف والضرر والزمانة والعذر بترك الجهاد
من كتاب الجزية
مسألة : قال
الشافعي : " قال الله تعالى
ليس على الضعفاء ولا على المرضى الآية ، وقال
إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء ، وقال
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج فقيل : الأعرج المقعد ، والأغلب أنه عرج الرجل الواحدة ، وقيل نزلت في وضع الجهاد عنهم ( قال ) ولا يحتمل غيره : فإن كان سالم البدن قويه لا يجد أهبة الخروج ونفقة من تلزمه نفقته إلى قدر ما يرى لمدته في غزوة : فهو ممن لا يجد ما ينفق : فليس له أن يتطوع بالخروج ويدع الفرض " .
قال
الماوردي : أما الأعذار التي يسقط بها فرض الحج والجهاد عن أهله ، فقد ذكرها
الشافعي أربعة أعذار : العمى ، والعرج ، والمرض ، والعسرة . وقد بينها الله تعالى في آيتين من كتابه :
أحدهما : قوله في سورة التوبة :
ليس على الضعفاء [ 91 ] . وفيهم ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم الصغار لضعف أبدانهم .
والثاني : المجانين لضعف عقولهم .
والثالث : أنهم العميان لضعف تصرفهم ، كما قيل في تأويل قوله تعالى في
شعيب :
وإنا لنراك فينا ضعيفا [ هود : 91 ] . أي : ضريرا ، ثم قال :
ولا على المرضى [ التوبة : 91 ] . يريد به مرضى البدن إذا عجز به تصرفه الصحيح ،
ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج [ التوبة : 91 ] . وهم الفقراء الذين لا يجدون نفقة جهادهم إذا نصحوا لله ورسوله [ التوبة : ا 9 ] . فيه تأويلان :
أحدهما : أن يبرءوا من النفاق .
والثاني : أن يقوموا بحفظ المخلفين .
فإن قيل بالتأويل الأول : كان راجعا إلى جميع من تقدم ذكره من الضعفاء
[ ص: 118 ] والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون . وإن قيل بالتأويل الثاني : كان راجعا إلى الذين لا يجدون ما ينفقون خاصة .
وقيل : إن هذه الآية نزلت في
عائذ بن عمرو وعبد الله بن مغفل ، ثم قال بعدها :
ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه [ التوبة : 92 ] فيه وجهان :
أحدهما : أنه لم يجد لهم زادا : لأنهم طلبوا ما يتزودونه ، وهذا قول
أنس .
والثاني : أنه لم يجد لهم نعالا : لأنهم طلبوا النعال ، وهذا قول
الحسين بن صالح .
وروى
أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذه الغزوة وهي غزوة
تبوك :
أكثروا من النعال ، فإن الرجل لا زال راكبا ما كان منتعلا .
وفي من نزلت هذه الآية ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها نزلت في
العرباض بن سارية ، وهذا قول
يحيى بن أبي المطاع .
والثاني : أنها نزلت في
أبي موسى وأصحابه ، وهذا قول
الحسن .
والثالث : أنها نزلت في
بني مقرن من
مزينة ثم قال بعدها :
إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف [ التوبة : 93 ] . فيهم تأويلان :
أحدهما : أنهم الذراري من النساء والأطفال .
والثاني : أنهم المتخلفون بالنفاق ، فدلت هذه الآية على وجوب الجهاد في ذوي القدرة واليسار .
وأما الآية الثانية في ذوي الأعذار فقوله تعالى :
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ، ذكرها الله تعالى في سورتين من كتابه :
إحداهما : سورة النور [ النور : 61 ] .
والأخرى : سورة الفتح [ الفتح : 17 ] .
فلم يختلف المفسرون أن التي في سورة الفتح واردة في إسقاط الجهاد عنهم ، واختلفوا في التي في سورة النور
[ ص: 119 ] فذهب
الحسن البصري ،
وعبد الرحمن بن زيد إلى أنها واردة في الجهاد أيضا كررها الله تعالى في سورتين تأكيدا .
وذهب جمهور المفسرين إلى أنها في النور واردة في المؤاكلة .
واختلف من قال بهذا في المراد بالمؤاكلة على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن
الأنصار كانوا يتحرجون أن يأكلوا مع هؤلاء إذا دعوا إلى طعام : لأن الأعمى لا يبصر أطيب الطعام ، والأعرج لا يستطيع الزحام ، والمريض يضعف عن مشاركة الصحيح في الطعام ، وكانوا يعزلون طعامهم مفردا ، ويرون ذلك أفضل من مشاركتهم فيه ، فأنزل الله تعالى ذلك في رفع الحرج عن مؤاكلته ، وهذا قول
ابن عباس والضحاك .
والثاني : أنه كان هؤلاء المذكورون من أهل الزمانة يخلفون
الأنصار في منازلهم إذا خرجوا للجهاد ، وكانوا يتحرجون أن يأكلوا منها فرخص الله لهم في الأكل من بيوت من استخلفوهم فيها وهذا قول
الزهري .
والثالث : أنه ليس على من ذكر من أهل الزمانة حرج إذا دعي إلى طعام أن يأخذ معه قائده ، وهذا قول
عبد الكريم .