مسألة : قال
الشافعي : " ولا يجاهد إلا بإذن أهل الدين " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح إذا
كان على رجل من أهل الجهاد دين لم يخل دينه من أن يكون حالا أو مؤجلا .
فإن كان حالا لم يخل من أن يكون موسرا به أو معسرا ، فإن كان موسرا ، ولم يستنب في قضائه لم يكن له أن يجاهد إلا بإذن صاحب الدين ، وسواء كان الدين لمسلم أو كافر : لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923222نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى .
وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=924990أن رجلا قال : يا رسول الله : أرأيت إن قتلت صابرا محتسبا أيحجزني عن الجنة شيء ؟ فقال : لا ، إلا الدين .
وروي أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924991لا ، فنزل عليه جبريل فقال له : إلا الدين : فقال له : إلا الدين ، وما حجز عن الجنة لم يتوصل بالجهاد إليها ، ولأن فرض الدين متعين عليه ، وفرض الجهاد على الكفاية : وفروض الأعيان مقدمة على فروض الكفاية : ولأن الجهاد من حقوق الله تعالى ، هي أوسع من حقوق الآدميين ، وهي أضيق فقدم الأضيق على الأوسع .
وكذلك لو كان معسرا لم يكن له أن يجاهد إلا بإذنه لأنه ينقطع بالجهاد عن الكسب ويتعرض للشهادة .
وإن استناب الموسر في قضاء دينه نظر ، فإن كان المال حاضرا لم يلزم استئذان صاحب الدين عن الجهاد لأنه كالمؤدي .
وإن كان المال غائبا لزمه استئذانه ولم يكن له أن يجاهد بغير إذنه : لجواز أن يتلف المال قبل قضاء الدين فيبقى على صاحبه .
وإن كان الدين مؤجلا ففي جواز جهاده ، بغير إذن صاحب الدين وجهان :
أحدهما : يجوز أن يجاهد بغير إذنه كما يجوز أن يسافر في غير الجهاد بغير إذنه .
والوجه الثاني : لا يجوز أن يجاهد إلا بإذنه ، وإن جاز أن يسافر بغير إذنه : لأن
[ ص: 122 ] مقصود الجهاد التعرض للشهادة : فخالف غيره من الأسفار التي لا يتعرض للشهادة فيها ، فصار من عليه الدين غير موصوف بفرض الجهاد عليه ولا بسقوطه عنه : لوقوفه على إذن ربه ، فإن أذن صار من أهل الجهاد ، وإن لم يأذن خرج منهم ، وإذا جاهد بإذن صاحب الدين لم يتعرض للشهادة ، ولم يتقدم أمام الصفوف ، ووقف في وسطها أو حواشيها ليتحفظ الدين بحفظ نفسه ، وهو اختيار
الشافعي ، فإن رجع صاحب الدين عن إذنه كان كالذي مضى في حدوث الأعذار .