مسألة : قال
الشافعي : " ومن غزا ممن له عذر أو حدث له بعد الخروج عذر كان عليه الرجوع ما لم يلتق الزحفان ، أو يكون في موضع يخاف إن رجع أن يتلف " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ،
إذا غزا أصحاب الأعذار وكانوا من أهل الجهاد ، فحدثت لهم أعذار وأرادوا الرجوع فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون ذلك قبل التقاء الزحفين .
والثاني : بعده ، فإن كان قبل التقاء الزحفين فلا يخلو حاله من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يقدر على الرجوع من الطريق ، ولا يقدر على التوجه لشدة زمانته ، أو تزايد مرضه ، أو ذهاب نفقته ، أو تلف مركوبه : فيؤمر بالرجوع ويمنع من التوجه .
والقسم الثاني : أن يقدر على التوجه ولا يقدر على الرجوع بخوف الطريق على نفسه أو ماله من عدو ، أو حدث : فيؤمر بالتوجه ويمنع من الرجوع .
والقسم الثالث : أن يقدر على الأمرين من التوجه والرجوع فله حالتان :
إحداهما : أن يكون متطوعا بالغزو .
والثانية : أن يكون مستجعلا عليه من السلطان ، فان كان متطوعا فلا يخلو عذره من أحد أمرين :
إما أن يكون عذره في حق نفسه .
أو يكون في حق غيره .
فإن كان عذره في حق نفسه كالزمانة ، وذهاب النفقة : فهو بالخيار بين التوجه والرجوع ، وليس للسلطان أن يعارضه في واحد منهما .
وإن كان عذره في حق غيره ، كرجوع صاحب الدين في إذنه ، أو رجوع أحد الأبوين فيه : فعليه أن يرجع وليس له أن يتوجه ، فإن لم يرجع أخذه السلطان به جبرا ، وإن كان مستجعلا على غزوة من السلطان نظر في عذره ، فإن كان في حق غيره لم يرجع ، لما وجب عليه من حق الجعالة المشتركة بين حقوق الله ، وحقوق الآدميين فكانت أوكد مما انفرد بحقوق الآدميين ، وإن كان عذره في حق نفسه فعلى ضربين : أحدهما : أن يكون العذر متقدما على الجعالة ، فيمنع من الرجوع : لأنه دخل في الجعالة ملتزما لها مع عذره .
والضرب الثاني : أن يكون العذر حادثا بعد الجعالة لحدوث زمانة أو تلف نفقة ، فيجوز له الرجوع ، ولا يمنع السلطان منه : لظهور عجزه ، وعدم تأثره ولا يسترجع منه ما
[ ص: 126 ] أخذ : لأنه قد استحقه من مال الله تعالى .
أما الضرب الثاني : وهو أن يكون ذلك بعد التقاء الزحفين ، فهذا على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون رجوعه أصلح من مقامه لتشاغل المجاهدين به فيرجع ولا يقيم .
والقسم الثاني : أن يكون مقامه أصلح من رجوعه لاضطراب المجاهدين برجوعه فيقيم ولا يرجع .
والقسم الثالث : أن يتساوى مقامه ورجوعه فله حالتان :
إحداهما : أن يكون عذره حادثا ، فله أن يرجع به سواء كان في حق نفسه أو في حق غيره : لأنه قد خرج به من فرض الجهاد .
والحال الثانية : أن يكون عذره متقدما فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون عذره في حق نفسه ، فيمنع من الرجوع لتوجه الفرض إليه بالحضور .
والضرب الثاني : أن يكون عذره في حق غيره كرجوع الأبوين وصاحب الدين ، ففي رجوعه وجهان ، حكاهما
أبو حامد المروزي في " جامعه " :
أحدهما : أن يقيم ولا يرجع كعذره في حق نفسه .
والوجه الثاني : يرجع ولا يقيم لتعين الحقين فقدم أسبقهما .