مسألة : قال
الشافعي : "
ويتوقى في الحرب قتل أبيه " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، لقول الله تعالى :
وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا [ لقمان : 15 ] . فكان من المعروف في حقهما الكف عن قتلهما ، وقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
صلوا أرحامكم ، ولو بالسلام .
وروي
أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة هم بمبارزة أبيه ، وقتله ، فكفه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : دعه يتولاه غيرك فبرز إليه حمزة فقتله ، وكف
أبا بكر عن قتل ابنه
عبد الرحمن يوم
أحد ، وكف
عبد الرحمن بن عوف عن قتل أبيه .
فإذا ثبت هذا كرهنا له أن يعمد في الحرب قتل أحد من والديه أو مولوديه ، وإن تعدوا ،
وقتل كل ذي رحم محرم كالإخوة والأعمام والعمات والأخوال والخالات ، وفيمن عداهم من الأقارب والعصبات كبني الأعمام والعمات وجهان :
أحدهما : لا يكره له قتلهم كالأجانب ، وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة .
والوجه الثاني : يكره له قتلهم حتى يتراخى نسبهم ويبعد .
والذي عندي أن ينظر حالهم بعد ذوي المحارم ، فإن كان ممن يرث بنسبه ويورث كره له قتلهم لقوة النسب ، وتأكيد حرمته ، وإن كانوا ممن لا يرث ولا يورث لم يكره ، فإن عمد قتل أحدهم فلا حرج عليه ، وينظر .
فإن كان لشدة عناده لله ولرسوله والتعرض لسبهما فليس بمسيء ، وإن كان لغيره فقد أساء .
وروي
أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه وأتى برأسه - صلى الله عليه وسلم - فثقل عليه وقال : ما حملك على قتله ؟ قال : سمعته يسبك ، فأمسك عنه ، ووجم أبو عبيدة حتى أنزل الله تعالى فيه : لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم [ المجادلة : 22 ] . فأقره على قتله وعذره فيه .
[ ص: 128 ]