مسألة : قال
الشافعي : " ومن ظهر منه تخذيل للمؤمنين ، وإرجاف بهم أو عون عليهم منعه الإمام الغزو معهم : لأنه ضرر عليهم ، وإن غزا لم يسهم له " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، ينبغي
للإمام أن يتفقد الغزاة إذا خرجوا حتى يغزو من يرجى نفعه ، ويرد من يخاف ضرره ، لقول الله تعالى :
لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا [ التوبة : 47 ] . فيه تأويلان :
أحدهما : يعني : فسادا .
والثاني : اضطرابا ،
ولأوضعوا خلالكم [ التوبة : 48 ] . فيه تأويلان :
أحدهما : لأوقعوا بينكم الاختلاف .
والثاني : لأسرعوا في تفريق جمعكم .
يبغونكم الفتنة [ التوبة : 47 ] . فيه تأويلان :
أحدهما : الهزيمة .
والثاني : التكذيب بوعد الرسول .
وفيكم سماعون لهم [ التوبة : 47 ] فيه تأويلان :
أحدهما : وفيكم من يسمع كلامهم ويطيعهم .
والثاني : وفيكم عيون منكم ينقلون إليهم أخباركم .
فإذا ثبت هذا فمن ذوي الأضرار المردودين من الغزو مع المسلمين من ذكره
الشافعي وهم ثلاثة أصناف :
أحدها : من ظهر منه تخذيل المؤمنين بما تضعف به قلوبهم من تكثير المشركين وقوتهم ، وتقليل المؤمنين وضعفهم ، والإخبار بما يخاف من شدة حر أو برد أو عطش أو جدب ، وبما جرى مجرى هذه الأمور التي تضعف بها القلوب ، وتفضي إلى الهزيمة .
والصنف الثاني : من يرجف بالمؤمنين فينجو بهزيمتهم أو بمدد يرد بعدوهم أو بكمين لهم وراءهم ، أو أنهم قد ظفروا بأسرى أو سبوا ذراري أو قطعوا ميرة وما جرى مجرى هذه الأراجيف التي تفضي إلى الفشل والوجل .
والصنف الثالث : من يكون عونا للمشركين باطلاعهم على عورات المؤمنين ، وإرشادهم إلى أسباب الظفر ، وتحذيرهم من وقوع الضرر ، وإيواء عيونهم إذا وردوا ، والذب عنهم إذا ظفروا إلى ما جرى مجرى هذه المعونة لهم القوية لأمرهم فترد هذه
[ ص: 130 ] الأصناف ومن شاكلها : لأن المقصود من الانتفاع بهم معدوم ، والمخوف من الضرر بهم موجود .
فإن قيل : فقد كان يغزو أمثال هؤلاء من المنافقين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقرهم ولا يردهم فهلا وجب الاقتداء به فيهم .
قيل : لأن الله تعالى قد خص رسوله من ذلك بأمرين عدما فيمن بعده من الولاة :
أحدها : ما يوحى إليه من مكر المنافقين : فيحترز منه .
والثاني : اختيار أصحابه بقوة الإيمان وتصديق الوعد .