مسألة : قال
الشافعي : " وتقسم أربعة أخماسه بين من حضر الوقعة دون من بعدها ، واحتج بأن
أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قالا : "
الغنيمة لمن شهد الوقعة " .
قال
الماوردي : وهذا كما ذكر إذا خرج من الغنيمة خمسها ، ورضخ من لا سهم له فيها كان باقيها للغانمين الذين شهدوا الوقعة ، يشترك فيها من قاتل ومن لم يقاتل : لأنه كان ردا للمقاتل ، قال الله تعالى :
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [ الأنفال : 41 ] . فلما أضاف الغنيمة إليهم واستثنى خمسها منهم دل على أن باقيها لهم ، كما قال تعالى :
وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء : 11 ] . فكان الباقي بعد الثلث للأب ، فإن
لحق بمن شهد الوقعة مدد من المسلمين عونا لهم فعلى ثلاثة أضرب :
أحدها : أن يلحقوا بهم قبل تقضي الحرب وانكشافها ، فالمدد يشركهم في غنيمتها إذا شهدوا بقية حربها .
والضرب الثاني : أن يلحقوا بهم بعد تقضي الحرب وإجازة غنائمها ، فلا حق لهم في غنيمتها سواء أدركوهم في دار الحرب أو بعد خروجهم منها .
والضرب الثالث : أن يلحقوا بهم بعد تقضي الحرب وإجازة غنائمها ، فشهدوا معهم إجازتها ففيها قولان :
أحدهما : يشاركونهم فيها .
والثاني : لا يشاركونهم .
وهذان القولان مبنيان على اختلاف قولي
الشافعي فيما تملك به الغنيمة بعد إجازتها ، فأحد قوليه : إنها تملك بحضور الوقعة ، فعلى هذا لا حق للمدد فيها .
والقول الثاني : إنهم ملكوا بالحضور أن يتملكوها بالإجازة ، فعلى هذا يشاركهم المدد فيها ، ويخرج على القولين المدد اللاحق بهم بعد الوقعة وإجازة الغنائم ، وهو مذهب
مالك ،
والأوزاعي ،
والليث بن سعد ،
وأحمد ،
وإسحاق .
[ ص: 160 ] وقال
أبو حنيفة : إن لحق بهم المدد وهم في دار الحرب أو بعد خروجهم منها وقبل قسمتها شاركوهم فيها ، وإن لحقوا بهم بعد خروجهم من دار الحرب وبعد قسمة الغنائم في دار الإسلام لم يشركوهم استدلالا بما روي
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن عامر إلى أوطاس ، فعاد وقد فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - حنينا فأشركهم في غنائمها .
وبما روي أن
عمر - رضي الله عنه - كتب إلى أمراء الأجناد أن من جاءكم من الأمداد قبل أن يتفقأ القتلى فأعطوه من الغنيمة .
وروى
الشعبي أن
عمر كتب بذلك إلى
سعد بن أبي وقاص ، ولأن القوة بالمدد هي المؤثرة في الظفر فصاروا فيها كالمكثر والمهيب ، فوجب أن يكونوا بمثابتهم في المغنم ، ولأن الغنيمة لا
تملك عنده إلا بالقسمة لأمرين :
أحدهما : أنه لا يجوز لواحد منهم بيع سهمه منها قبل القسمة ، ويجوز بيعه بعدها .
والثاني : أنه لو استولى المسلمون على قرية من بلادهم دفعهم المشركون عنها ، وفتحها آخرون من المسلمين كانت غنيمة للآخرين دون الأولين .
ودليلنا قوله تعالى :
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [ الأنفال : 41 ] . فأضافها إلى الغانمين فدل على أنه لا حق فيها لغيرهم .
وروى
أبو هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=925020أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبان بن سعيد بن العاص من المدينة في سرية قبل نجد ، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحنين وقد فتحها فقال أبان : اقسم لنا يا رسول الله فقال : اجلس يا أبان ولم يقسم له .
وروى
أبو بكر - رضوان الله عليه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
الغنيمة لمن شهد الوقعة .
وقد رواه
الشافعي موقوفا على
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهو أثبت ، ووقوفه عليهما حجة ؛ لأنه لم يظهر لهما مخالف ، ولأن
أبا حنيفة وافقها في المدد لو كانوا أسرى في أيديهم فأفلتوا منهم ولحقوا بالمسلمين لم يسهم لهم ، فكذلك غير الأسرى ، ولو لحقوا بهم في الوقعة شاركوهم ، فكذلك غير الأسرى ، ويتحرر من هذا الاستدلال قياسان :
أحدهما : أنه وصول بعد القفول ! فلم يشركوا في الغنيمة كالأسرى .
والثاني : أن ما لم يشاركهم فيه الأسرى لم يشاركهم فيه المدد ، قياسا على ما بعد قسمة الغنيمة .
[ ص: 161 ] فأما الجواب عن حديث
عبد الله بن عامر فهو أنه كان في جيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بحنين وأنفذه إلى
أوطاس - وهو واد بقرب
حنين - حين بلغه أن فيه قوما من
هوازن ، فكان من جملة جيشه ، ومستحق الغنيمة فلذلك قسم له وخالف من ليس منهم .
وأما حديث
عمر فهو : إن صح مما لا يقول به
أبو حنيفة : لأنه جعل استحقاق الغنيمة معتبرا بفقوء القتلى ، وفقوءهم غير معتبر : فلم تكن فيه حجة .
وأما الجواب عن الظفر بالمدد فمن وجهين :
أحدهما : بطلانه بالمدد اللاحق بعد القسم .
والثاني : أن أسباب الظفر ما تقدمت أو قاربت ، ولو كانت مما تأخرت لكانت بمن أقام ولم ينفر ، وأما الجواب عن استدلالهم بأنها لا تملك إلا بالقسمة : فهو أنه أصل لهم يخالفهم فيه كالخلاف في قرعة ، واحتجاجهم فيه بأن القرية للآخرين فنحن نجعلها للأولين ، وقولهم إن بيعها قبل القسمة لا يجوز ، فنحن نجوزه إذا اختار الغانم تملكها ، ونجعل بيعها اختيارا لتملكها ، فلم يسلم لهم بناء على أصل ولا استشهاد .