مسألة : قال
الشافعي : " وقطع
بخيبر وهي بعد
النضير والطائف وهي آخر غزوة غزاها قط - عليه السلام - لقي فيها قتالا ، فبهذا كله أقول وما أصيب بذلك من النساء والولدان فلا بأس : لأنه على غير عمد فإن كان في دارهم أسارى مسلمون أو مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق احتياطا غير محرم له تحريما بينا : وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا يبين أن يحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه " .
قال
الماوردي : وهو كما ذكر يجوز أن
يقطع على أهل الحرب نخلهم وشجرهم ، ويستهلك عليهم زرعهم وثمرهم ، إذا علم أنه يفضي إلى الظفر بهم ، ومنع
أبو حنيفة من ذلك استدلالا بقول الله تعالى :
ولا تعثوا في الأرض مفسدين [ البقرة : 60 ] . وهذا فساد ، ولما روي أن
أبا بكر بعث جيشا إلى
الشام ونهاهم عن قطع شجرها ، ولأنها قد تصير دار إسلام ، فيصير ذلك غنيمة للمسلمين .
ودليلنا ما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=925043أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حاصر بني النضير في حصونهم بالبويرة حين نقضوا [ ص: 185 ] عهدهم فقطع المسلمون عليهم عددا من نخلهم ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراهم إما بأمره وإما لإقراره .
واختلف في
سبب قطعها : فقيل : لإضرارهم بها ، وقيل : لتوسعة موضعها لقتالهم فيه ، فقالوا
وهم يهود أهل الكتاب : يا محمد ، ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح ، فمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخل ؟ وقال شاعرهم سماك اليهودي :
ألسنا ورثنا كتاب الحكيم على عهد موسى ولم يصدف وأنتم رعاء لشاء عجاف
بسهل تهامة والأخيف ترون الرعاية مجدا لكم
لدى كل دهر لكم مجحف فيا أيها الشاهدون انتهوا
عن الظلم والمنطق المؤنف لعل الليالي وصرف الدهور
يدركن عن العادل المنصف بقتل النضير وإجلائها
وعقر النخيل ولم تخطف
فقال حسان بن ثابت :
هم أوتوا الكتاب فضيعوه وهم عمي عن التوراة نور
كفرتم بالقرآن وقد أتيتم بتصديق الذي قال النذير
فهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
فقال المسلمون : يا رسول الله ، هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟ أو هل علينا فيما قطعنا من وزر ؟ فحينئذ أنزل الله قوله تعالى : ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين [ الحشر : 5 ] . وفي اللينة ثلاثة أقاويل :
أحدهما : أنها العجوة من النخل : لأنها أم الإناث ، كما أن العتق أم الفحول ، وكانتا مع
نوح في السفينة ، ولذلك شق عليهم قطعها .
والثاني : أنها الفسيلة : لأنها ألين من النخلة .
والثالث : أنها جميع النخل والشجر للينها بالحياة .
فإن قيل : فهذا منسوخ بقوله تعالى :
ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها [ الأعراف : 56 ] . فعنه جوابان :
أحدهما : أنه يفضي إلى الظفر بالمشركين ، وقوة الدين كان صلاحا ، ولم يكن فسادا ، وفي الآية تأويلان :
أحدهما : ولا تفسدوا في الأرض بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان .
والثاني : لا تفسدوا في الأرض بالجور بعد إصلاحها بالعدل .
[ ص: 186 ] والجواب الثاني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فعل بعد
بني النضير مثل ما فعل بهم ، فقطع على
أهل خيبر نخلا ، وقطع على
أهل الطائف وهي آخر غزواته التي قاتل فيها لزوما على بقاء الحكم في قطعها وأنه غير منسوخ ، ولأن حرمة النفوس أعظم وقتلها أغلظ ، فلما جاز قتل نفوسهم على الكفر ، كان قطع نخلهم وشجرهم عليهم أولى ، فأما استدلالهم بجوابه ما ذكرنا .