مسألة : قال
الشافعي : " في كتاب حكم
أهل الكتاب : وإنما تركنا
قتل الرهبان اتباعا
لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقال في كتاب السير : ويقتل الشيوخ والأجراء والرهبان ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=925047قتل دريد بن الصمة ابن خمسين ومائة سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - : فلم ينكر قتله ( قال : ) ورهبان الديات والصوامع والمساكن سواء : ولو ثبت عن
أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - خلاف هذا لأشبه أن يكون أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم ، ولا يتشاغلون بالمقام على الصوامع عن الحرب ، كالحصون لا يشغلون بالمقام بها عما يستحق النكاية بالعدو ، وليس أن قتال أهل الحصون حرام ، وكما روي عنه أنه نهى عن
قطع الشجر المثمر : ولعله لأنه قد حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقطع على
بني النضير ، وحضره يترك ، وعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدهم بفتح
الشام ، فترك قطعه لتبقى لهم منفعته إذا كان واسعا لهم ترك قطعه ( قال
المزني ) - رحمه الله - : هذا أولى القولين عندي بالحق : لأن كفر جميعهم واحد ، وكذلك سفك دمائهم بالكفر في القياس واحد " .
قال
الماوردي : وجملة المشركين بعد الظفر بهم ينقسم أربعة أقسام :
أحدها :
المقاتلة أو من كان من أهل القتال وإن لم يقاتل فهو من المقاتلة ، ويجوز قتلهم على ما قدمناه من خيار الإمام فيهم .
والقسم الثاني : وهم
أهل الرأي والتدبير منهم دون القتال ، فيجوز قتلهم أيضا شبانا كانوا أو شيوخا ، قدروا على القتال أو لم يقدروا : لأن التدبير علم بالحرب ، والقتال عمل ، والعلم أصل للعمل ، وقد أفصح
المتنبي حيث قال :
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني
ولأن التدبير أنكى وأضر وهو من الشيخ أقوى وأصح ، هذا
دريد بن الصمة أشار على
هوازن يوم
حنين أن يتجردوا للقتال ، ولا يخرجوا معهم الذراري ، فخالفه
مالك بن عوف النضري وخرج بهم فهزموا فقال
دريد في ذلك :
[ ص: 193 ] وأمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وظفر
بدريد وكان في شجار وهو ابن مائة وخمسين سنة ، وقيل : مائة وخمس وستين ، فقتل ، وقيل : ذبح ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراه فلم ينه عنه : فدل على إباحة قتل ذوي الآراء وإن كانوا شيوخا .
والقسم الثالث : من الذراري من النساء والأطفال ، فلا يجوز أن يقتلوا في المعركة إلا أن يقاتلوا فيقتلوا دفعا لأذاهم ، فأما بعد الأسر فلا يجوز أن يقتلوا ، سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لنفي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن
قتل النساء والذراري والولدان ، ولأنهم سبايا مسترقون قد ملكهم الغانم كالأموال .
والقسم الرابع : من
اعتزل القتال والتدبير من رجالهم ، إما لعجز كالزمني وذوي الهرم من الشيوخ ، وإما لتدين كالرهبان ،
وأصحاب الصوامع والديارات ، شبابا كانوا أو شيوخا ، ففي إباحة قتلهم قولان :
أحدهما : قاله في كتاب حكم
أهل الكتاب لا يجوز قتلهم ، وهو مذهب
أبي حنيفة لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925048اقتلوا الشرخ واتركوا الشيخ ، الشرخ : الشباب ، ومنه قول الشاعر :
على شرخ الشباب تحية فإذا لقيت ددا فقط من دد
والدد : اللهو واللعب ، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
لست من دد ولا دد مني وروى
أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925050انطلقوا بسم الله ، وعلى ملة رسول الله ، لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا ، ولا صغيرا ، ولا امرأة ، ولا تغلوا ، وخيموا غنائمكم ، وأحسنوا ، إن الله يحب المحسنين .
وروي عن
أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال
لزياد بن أبي سفيان ،
وعمرو بن العاص ،
وشرحبيل بن حسنة لما بعثهم إلى
الشام : أوصيكم بتقوى الله ، اغزوا في سبيل الله ، وقاتلوا من كفر بالله ، ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تفسدوا في الأرض ، ولا تعصوا ما تؤمرون ، ولا تقتلوا الولدان ولا النساء ولا الشيوخ ، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم على الصوامع فدعوهم ، وما حبسوا له أنفسهم ، وستجدون أقواما اتخذ الشيطان في أوساط رءوسهم أفحاصا ، فإذا وجدتموهم فاضربوا أعناقهم ، والأفحاص أن يحلقوا أوساط رءوسهم يقال لهم : الشمامسة ، ذكره
أبو عبيدة ، ولأن
من لم يقاتل في الغزو لم يقتل في الأسر كالذراري .
والقسم الثاني : نص عليه في سير
الواقدي واختاره
المزني ، يجوز أن يقتلوا لعموم قول الله تعالى :
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ التوبة : 5 ] .
[ ص: 194 ] وروى
الحسن البصري ، عن
سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925051اقتلوا شيوخ أهل الكتاب واستحيوا شرخهم ، يعني استبقوا شبابهم أحياء ومنه قوله تعالى :
يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم [ القصص : 4 ] . فأمر بقتل الشيوخ واستبقاء الشباب لأمرين :
أحدهما : أنه لا نفع في قتل الشيوخ ، وفي الشباب نفع .
والثاني : أن رجوع الشباب عن كفره أقرب من رجوع الشيخ ، ويحتمل أن يريد بالشرخ غير البالغين وهو أشبه : لأن من كان من أهل القتال جاز قتله ، وإن قعد عن القتال كالمقاتل ، ولأن من استحق سهما إذا كان مسلما جاز قتله وإذا كان كافرا كالمقاتل .