فصل : فإذا تقرر من يصح منه الأمان ، فالحكم فيه يشتمل على خمسة فصول :
أحدها : ما ينعقد به الأمان وهو ضربان : لفظ وإشارة .
فأما
اللفظ : فينقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : ما كان صريحا ، وذلك مثل قوله : أنت آمن ، أو في أمان ، أو قد أمنتك ، أو يقول : أنت مجار ، أو قد أجرتك ، أو يقول : لا بأس عليك ، فهذا وما شاكله صريح في عقد الأمان لا يرجع فيه إلى نية ، ولو قال : لا خوف عليك كان صريحا ، ولو قال : لا تخف لم يكن صريحا : لأن قوله : لا خوف عليك نفي للخوف فكان صريحا ، وقوله : لا تخف نهي عن الخوف فلم يكن صريحا .
والقسم الثاني : ما كان كناية يرجع فيه إلى الإرادة ، فمثل قوله : أنت على ما تحب ، أو كن كيف شئت ، لاحتمال أن يكون على ما أحبه من الكفر ، أو على ما تحبه من الأمان ، فلذلك صار كناية إلى ما شاكل ذلك من الألفاظ المحتملة .
والقسم الثالث : ما لم يكن صريحا ولا كناية ، وذلك مثل قوله : ستذوق وبال
[ ص: 198 ] أمرك ، وسترى عاقبة كفرك ، أو سينتقم الله منك ، فهذا وما شاكله وعيد وتهديد لا ينعقد به الأمان .
وأما
الإشارة فضربان : مفهومة ، وغير مفهومة .
فإن كانت غير مفهومة لم يصح بها الأمان لا صريحا ولا كناية ، وإن كانت مفهومة انعقد بها الأمان إن أراد المشير ، ولا ينعقد بها إن لم يرده ، لكن يجب أن يرد بها إلى مأمنه ، ويكون كناية يرجع إلى قوله فيما أراد .
فإن قيل : لو أشار بالعتق والبطلان ارتفعا مع الإرادة ، فكيف صح بهما عقد الأمان مع الإرادة ؟ قيل : لأن الأمان ينتقض بالقول والإشارة ، فصح عقده بالقول والإشارة ، وبذلك خالف ما عداه من العتق والبطلان ، ولا يتم الأمان بعد بذله إلا أن يكون من المبذول له ما يدل على قبوله ، وذلك بأحد أمرين :
إما أن يبتدئ بالطلب والاستجارة فيبذله له بعد طلبه .
وإما أن يعقب البذل المبتدأ بالقبول أو بالدعاء والشكر أو بالإشارة الدالة عليه فيتم ، ويقوم ذلك مقام القبول الصريح : لأن حقوق الأمان مشتركة فلم تلزم إلا باجتماعهما عليه ، ولأنه عقد : فروعي فيه أحكام البذل والقبول .