فصل : فإذا صح ما ذكرنا : فصورة مسألتنا في
علج اشترط أن يدل المسلمين علـى قلعة على أن يعطوه جارية منها سماها : فدلهم عليها ، فهذا شرط صحيح تصح به الجعالة مع الجهالة لما قدمناه ، ولا يخلو حال القلعة بعد الوصول إليها من أن يظفر المسلمون بفتحها ، أو لا يظفروا ، فإن لم يظفروا بفتحها فلا شيء للدليل : لأنه لما شرط جارية منها صارت جعالته مستحقة بشرطين : الدلالة ، والفتح ، فلم يستحقها بأحد الشرطين ، ولو جعل شرطه في الجعالة شيئا في غير القلعة استحقه بالدلالة ، وإن تعذر فتحها : لأنها معلقة بشرط واحد وهو الدلالة وقد وجدت ، وإن ظفروا بالقلعة وفتحوها فعلى ضربين :
أحدهما : أن يظفروا بفتحها عنوة ، حال الجارية فيها من أحد أربعة أقسام :
أحدها : أن لا تكون من أهل القلعة ، ولا فيها فلا شيء للدليل لاشتراط معدوم ، ويستحب لو أعطي رضخا ، وإن لم يستحقه ، فلو وجدت الجارية في غير القلعة نظر ، فإن كانت من أهل القلعة كان كوجودها في القلعة فيستحقها الدليل على ما سنذكره ، وإن كانت من غير أهل القلعة فلا حق للدليل فيها : لأنه اشترط جارية من القلعة ، وليست هذه منها ولا من أهلها .
والقسم الثاني : أن تكون الجارية موجودة في القلعة باقية على شركها ، فيستحقها الدليل ، ولا حق فيه للغانمين ، ولا يعاوضهم الإمام عنها لاستحقاقها قبل الفتح ، فصارت كأموال من أسلم قبل الفتح .
والقسم الثالث : أن تكون الجارية موجودة في القلعة ، وقد أسلمت ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون إسلامها قبل القدرة عليها فهي حرة ، ولا يجوز استرقاقها فلا يستحقها الدليل ، لمنع الشرع منها ويستحق قيمتها : لأن شرعنا منعه منها ، فلذلك وجب أن يعاوض عنها بقيمتها ، وسواء كان الدليل مسلما أو كافرا .
والضرب الثاني : أن يكون إسلامها بعد القدرة عليها ، فهي مسترقة لا يرتفع رقها بالإسلام وللدليل حالتان .
إحداهما : أن يكون مسلما فيستحق الجارية .
[ ص: 204 ] والحال الثانية : أن يكون كافرا ففيه قولان ، بناء على اختلاف قوليه في
الكافر إذا ابتاع عبدا مسلما :
فأحد قوليه : إن البيع باطل فعلى هذا لا يستحق الجارية ، وتدفع إليه قيمتها ، فإن أسلم من بعد لم يستحقها لانتقال حقه منها إلى قيمتها .
والقول الثاني : إن البيع صحيح ، ويمنع من إقراره على ملكه ، فعلى هذا يستحق الدليل الجارية وإن كان كافرا ، ويمنع منها ، حتى يبيعها ، أو يسلم فيستحقها ، فإن لم يفعل أحد هذه الثلاث بيعت عليه جبرا ودفع إليه ثمنها .
والقسم الرابع : أن توجد الجارية في القلعة ميتة فقد ذكر
الشافعي هاهنا كلاما محتملا في غرم القيمة له خرجه أصحابنا على قولين :
أحدهما : له قيمتها كما لو أسلمت : لأنه ممنوع منها في الحالين .
والقول الثاني : لا قيمة له : لأن الميتة غير مقدور عليها فصار كما لو لم تكن فيها ، وخالفت التي أسلمت لمنع الشرع منها مع القدرة على تسليمها ، وعندي أن الأولى من إطلاق هذين القولين أن ينظر ، فإن كان موتها بعد القدرة على تسليمها استحق قيمتها ، وإن كان قبل القدرة على تسلمها فلا قيمة له ، ويجوز أن يكون إطلاق
الشافعي محمولا على هذا التفصيل ، فهذا حكم فتح القلعة عنوة .