مسألة : قال
الشافعي : " وإن
غزت طائفة بغير أمر الإمام كرهته : لما في إذن الإمام من معرفته بغزوهم ومعرفتهم ، ويأتيه الخبر عنهم : فيعينهم حيث يخاف هلاكهم ، فيقتلون ضيعة ( قال
الشافعي ) - رحمه الله - : ولا أعلم ذلك يحرم عليهم ، وذلك
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الجنة ، فقال له رجل من الأنصار : إن قتلت يا رسول الله ، صابرا محتسبا : قال " فلك الجنة " ، قال فانغمس في العدو فقتلوه ، وألقى رجل من
الأنصار درعا كان عليه ، حين ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الجنة ، ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا حل للمنفرد أن يتقدم على ما الأغلب أنهم يقتلونه كان هذا أكثر مما في الانفراد من الرجل والرجال بغير إذن الإمام ، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عمرو بن أمية الضمري ورجلا من
الأنصار سرية وحدهما ، وبعث
عبد الله بن أنيس سرية وحده ، فإذا سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتسرى واحد : ليصيب غرة ويسلم بالحيلة ، أو يقتل في سبيل الله ، فحكم الله تعالى أن ما أوجف المسلمون غنيمة " .
[ ص: 206 ] قال
الماوردي : وهو كما ذكر ، يكره أن يغزو قوم بغير إذن الإمام لأمرين :
أحدهما : أنه أعرف بجهاد العدو منهم .
والثاني : أنه إذا علم : أعانهم وأمدهم ، فعلى التعليل الأول يكره لهم ذلك في حق الله تعالى ، وعلى التعليل الثاني يكره لهم ذلك في حقوق أنفسهم ، إن غزوا بغير إذنه لم يحرم عليهم ، وسواء كانوا في منعة أو غير منعة .
وقال
أبو حنيفة - رحمه الله - : يحرم عليهم إلا أن يكونوا في منعة ، قال
أبو يوسف : المنعة عشرة ، وهذا فاسد لأمرين :
أحدهما : أن العدد ليس بشرط في الإباحة : قد أنفذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عمرو بن أمية الضمري ورجلا من
الأنصار سرية وحدهما ، وأنفذ
عبد الله بن أنيس سرية وحده : لقتل
خالد بن سفيان الهذلي وهو في العدة والعدد ، وأنفذ
محمد بن مسلمة لقتل
كعب بن الأشرف فقتله ، وأنفذ نفرا لقتل
ابن أبي الحقيق فقتلوه .
والثاني : أنه ليس في القلة أكثر من بذل النفس وجهاد العدو ، وهذا غير محظور : قد
حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القتال وذكر الجنة فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، إن قتلت صابرا محتسبا ما الذي لي ؟ قال : الجنة فانغمس في العدو حتى قتل .