مسألة : قال
الشافعي : " ومن
سرق من الغنيمة من حر أو عبد حضر الغنيمة لم يقطع : لأن للحر سهما ، ويرضخ للعبد ، ومن سرق من الغنيمة وفي أهلها أبوه أو ابنه لم يقطع ، وإن كان أخوه أو امرأته قطع ، ( قال المزني ) - رحمه الله - : وفي كتاب السرقة إن سرق من امرأته لم يقطع " .
قال
الماوردي : وجملة ذلك أن الغنائم إذا أحرزت بعد إجازتها لم يجز لأحد الغانمين وغيرهم أن يتعرض لها قبل قسمها ، ولمستحقها مطالبة الإمام بقسمها فيهم ، فإن هتك حرزها من سرق منها نصاب القطع فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون خمسها باقيا فيها لم يخرج منها ، فلا قطع على السارق منها ، سواء كان من الغانمين أو من غيرهم : لأنه إن كان من الغانمين فله في أربعة أخماسها سهم ، وفي خمسها من سهم المصالح حق ، وهي شبهة واحدة يسقط بها عنه القطع .
والضرب الثاني : أن يخرج خمسها منها فتصير أربعة أخماسها مفردا للغانمين ، وخمسها مفردا لأهل الخمس فهذا على ضربين :
أحدهما : أن تكون السرقة من أربعة أخماس الغنيمة فلا يخلو حال السارق من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون ممن حضر الوقعة من ذي سهم ، كالرجل الحر ، وذي رضخ كالمرأة والعبد فهما سواء : لأن الرضخ يستحق وإن نقص عن السهم كنقصان سهم الراجل عن سهم الفارس فكانا حقين واجبين ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يسرق منها ما يجوز أن يكون بقدر حقه ، فلا قطع عليه ، نص عليه
الشافعي ، وأجمع عليه أصحابه ، لهم في تعليله وجهان :
أحدهما : أنها شبهة في هتك حرزها .
والثاني : أنها شبهة في أخذ حقه منها .
والضرب الثاني : أن
يسرق منها ما يعلم أنه قطعا أكثر من حقه ، ففي وجوب قطعه في الزيادة ، إذا بلغت نصابا وجهان ، أشار إليهما
أبو إسحاق المروزي في شرحه :
أحدهما : لا يقطع وهو مقتضى قول من علل بالشبهة في هتك الحرز : لأن المال صار بها في غير حرز .
[ ص: 208 ] والوجه الثاني : يقطع وهو مقتضى قول من علل بالشبهة في أخذ الحق : لأن الزيادة ليس فيها حق ، ويتفرع على هذين الوجهين أن يكون له رجل دين ، فيتوصل إلى هتك حرزه ، ويأخذ الزيادة على قدر دينه : فيكون قطعه في الزيادة على وجهين .
والقسم الثاني :
أن يكون السارق ممن لم يحضر الوقعة ، ولا يتصل بمن حضرها : فيجب قطعه فيها لارتفاع شبهته ، وعلى قول
أبي حنيفة لا يقطع : لأنها عن أصل مباح .
والقسم الثالث : أن يكون
السارق ممن لم يحضر الوقعة ، لكن له اتصال بمن حضرها ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون اتصالهما لا يمنع من وجوب القطع بينهما ؛ كالأخ يقطع إذا سرق من أخيه ، كذلك إذا سرق من غنيمة حضرها أخوه قطع .
والضرب الثاني : أن يكون اتصالهما يمنع من وجوب القطع بينهما كالولد مع الأبوين لا يقطع أحدهما في مال الآخر ، وكالعبد مع سيده لا يقطع في ماله ، كذلك إذا سرق من غنيمة حضرها واحد مات والديه ، أو مولوديه لم يقطع ، وكذلك لو حضرها عبده ، أو سيده لم يقطع ، فأما
الزوج والزوجة ففي قطع كل واحد منهما في مال صاحبه قولان :
أحدهما : لا يقطع وهو قول
أبي حنيفة ، فعلى هذا لا يقطع في الغنيمة إذا حضرها زوج ، أو زوجة ، ولا إذا حضرها عبد أو زوجة .
والقول الثاني : يقطع وهو قول
مالك ، فعلى هذا يقطع في الغنيمة وإن حضرها هؤلاء ، فهذا حكم السرقة من أربعة أخماس الغنيمة .