فصل : فإذا ثبت وجود الحدود فيها نظر ،
فإن لم يكن في دار الحرب من يستحق إقامتها أخرت إلى دار الإسلام حتى يقيمها الإمام ، وإن كان في دار الحرب من يقيمها وهو الإمام ، أو من ولاه الإمام إقامتها من ولاة الثغور والأقاليم ، نظر ، فإن كان له عذر يمنعه من إقامتها لتشاغله بتدبير الحرب ، أو لحاجته إلى قتال المحدود أخر حده إلى دار الإسلام ، وإن لم يكن له عذر قدم حده في دار الحرب ، وليس ما ذكره
المزني عن
الشافعي من اختلاف جوابه فيه محمولا على اختلاف قولين ، وإنما هو على ما ذكرناه من اختلاف حالين .
وقال
أبو حنيفة : لا تجوز إقامة الحدود في دار الحرب ، وعلى الإمام تأخيرها احتجاجا بما روي أن
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى أمراء الأجناد أن لا يقيموا الحدود في دار الشرك حتى يعودوا إلى دار الإسلام ، ولا يؤمن أن يتداخله من الأنفة والحمية ما يبعثه على الردة اعتصاما بأهل الحرب ، ودليلنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925063فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه ، ولم يفرق ، ولأن لله تعالى عليهم حقوقا من عبادات ، وحدود في معاص ، فإذا لم تمنع دار الشرك من استيفاء حقوقه لم تمنع من
[ ص: 211 ] إقامة حدوده .
فأما الجواب عن خبر
عمر إن صح فهو أنه أمر بذلك لئلا يقع التشاغل بإقامها عن تدبير الحرب وجهاد العدو .
وقوله : إنه ربما بعثته الحمية على الردة ، فلو كان لهذا المعنى لا تقام عليهم الحدود لما أقيمت على أهل الثغور ، ولما استوفيت منهم الحقوق ، ولأفضى إلى تعطيل الحدود ، وإسقاط الحقوق ، وهذا مدفوع .