فصل : فإن
مات هذا الحربي وله أمان على ذريته وماله لم ينتقض أمان ورثته بموته كما لا ينتقض بنقض الأمان ، وكان ماله موروثا لورثته من أهل الحرب دون أهل الذمة ، لارتفاع التوارث بين أهل الذمة وأهل الحرب ، وسواء كان موت هذا المستأمن في دار الحرب أو دار الإسلام ، وإذا صار موروثا فلورثته حالتان .
إحداهما : أن يكونوا ممن لهم أمان على أموالهم ، فينقل إليهم هذا الميراث على أمانه كموت الذمي إذا كان وارثه ذميا .
والحال الثانية : أن يكون ورثته ممن لا أمان لهم على أموالهم وهي مسألة الكتاب ، ففي بقاء الأمان على المال بعد موت مالكه قولان :
[ ص: 220 ] أحدهما : - وهو منصوص عليه في هذا الموضع - أنه يزول بموت مالكه ، وينتقل إلى الورثة بغير أمان فيصير إلى بيت المال فيئا ، وقول
الشافعي : إنه مغنوم . يريد أنه فيء ؛ وإنما كان كذلك لأمرين :
أحدهما : أنه كان لمالك له أمان فصار لمالك ليس له أمان .
والثاني : أنه لما كان الأمان على النفس لا يورث وجب أن يكون الأمان على المال لا يورث .
والقول الثاني : نص عليه في كتاب المكاتب ، واختاره
المزني أنه يكون الأمان على المال باقيا ولا ينتقض بموت مالكه ، وينتقل إلى ورثته بأمانه لأمرين :
أحدهما : أنه لما جاز أن ينفرد الأمان بالمال دون المالك ، لم ينتقض باختلاف المالك ، كما لو ارتفع أمان مالكه بعوده إلى دار الحرب مستوطنا .
والثاني : أن المال ينتقل إلى الوارث بحقوقه كما لو استحقت به شفعة ، أو كان في ديته رهن ، وأمان هذا المال من حقوقه ، فوجب أن ينتقل بحق أمانه إلى وارثه ، فهذا توجيه القولين ، وكان
أبو علي بن خيران يمنع من تخريج ذلك على قولين ويحمله على اختلاف حالين : فالموضع الذي جعله مغنوما إذا شرط أمانه مدة حياته ، والموضع الذي جعله باقيا على ورثته إذا شرط أمانه في مدة حياته وبعد موته ، وليس هذا بمانع من اختلاف القولين : لأنهما من إطلاق الأمان إذا لم يتقيد بشرط ، وهو في تقييده بالشرط على ما حكاه ، والله أعلم .