[ ص: 235 ] باب
وقوع الرجل على الجارية قبل القسم أو يكون له فيهم أب أو ابن وحكم السبي
قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " إن وقع على جارية من المغنم قبل القسم : فعليه مهر مثلها يؤديه في المغنم ، وينهى إن جهل ، ويعزر إن علم ، ولا حد للشبهة : لأن له فيها شيئا ، قال : وإن أحصوا المغنم فعلم كم حقه فيها مع جماعة أهل المغنم سقط عنه بقدر حصته منها " .
قال
الماوردي : أما الغنائم قبل إحازتها واستقرار الظفر بهزيمة أهلها فهي باقية على ملك أربابها ، فإن وطئ منهم جارية كان الواطئ زانيا يجب عليه الحد ، فأما إذا استقر الظفر بالهزيمة ، وأحيزت الأموال والسبي فقد ملكها جميع الغانمين على وجه الاستحقاق ، لا على وجه التعيين كما يملك أهل السهمان الزكاة قبل دفعها ، فأما كل واحد من الغانمين فإنما يملك بالحضور أن يتملك بالقسم كالشفعة ملك الخليط بالبيع أن يتملك بالأخذ ، وإنما ملك الغانم أن يتملك ، ولم يتعين له الملك لمعنيين :
أحدهما : أن حقه فيها يزول بتركه ويعود إلى غيره كالشفعة ، ولو ملكه لم يزل بتركه كالورثة . والثاني : لو تأخر قسمها حين حال حولها لم تجب زكاتها ، ولو ملكت وجبت زكاتها ، فإذا تقرر هذا فصورة مسألة الكتاب في رجل من الغانمين وطئ جارية من السبي المغنوم فهو وطء محرم : لأنه لم يملكها ولا حد عليه للشبهة .
وقال
مالك والأوزاعي وأبو ثور : عليه الحد : لأنه وطء محرم في غير ملك ، فوجب به الحد كالزنا ، ودليلنا في سقوط الحد عنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=923227ادرءوا الحدود بالشبهات ، وشبهة الوطء فيها أنه ملك منها أن يتملكها فكانت أقوى من شبهة الأب في جارية ابنه التي ما ملك أن يتملكها ، فلما سقط الحد عن الأب في جارية ابنه كان سقوطه عن هذا أولى ، وبه خالف محض الزنا ، وصار كوطء الأجنبية بشبهة .
فإذا ثبت سقوط الحد نظر ، فإن علم بالتحريم عزر ؛ لأن الشبهة لا تمنع من التعزير وإن منعت الحد لحظر الإقدام على الشبهات ، وإن لم يعلم بالتحريم فلا حد عليه ولا تعزير ، فأما المهر فواجب عليه في الحالين مع علمه بالتحريم وجهله به كغيره من وطء الشبهة ، فإذا وجب عليه نظر في عدد الغانمين ، فإن كان غير محصور لكثرتهم
[ ص: 236 ] دفع جميع المهر ، وضم إلى الغنيمة حتى يقسم معها في جميع الغانمين ، فلو صارت الجارية التي وطئها في سهمه وملكها بالقسمة بعد وطئه ، لم يسترجع المهر بعد دفعه ، ولم يسقط عنه قبل دفعه : لأنه استحدث ملكها بعد وجوب مهرها ، فصارت كأمة
وطئها بشبهة ، ثم ابتاعها بعد الوطء من سيدها ، لم يسقط عنه مهرها ، وإن كان عدد الغانمين محصورا ، فقد قال
الشافعي : يسقط عنه من المهر بقدر حصته فيها ، فاختلف أصحابنا في محل سقوطه على وجهين ، حكاهما
أبو إسحاق المروزي :
أحدهما : أنه يسقط عنه قدر حقه منها إذا كان قد تملكها بالقسمة مع جماعة من الغانمين محصورين ، وأما إن كان وطئها قبل أن يتملكها ، فلا يسقط عنه شيء من مهرها ، وإن كان عددهم محصورا ؛ لأنه وطء في حال ليس بمالك فيها ، وإنما ملك أن يتملك .
والوجه الثاني : أنه يسقط عنه في الحالين بقدر حصته منها ، سواء كان وطؤه قبل التملك أو بعده ؛ لأن ملكها موقوف عليهم ، ولا حق فيها لغيرهم ، والأول أشبه .