فصل : وأما الحال الثانية : وهو
أن يكون إحباله لها بعد قسمها بين القبائل بأن حصلت ملكا لعشرة من الغانمين : لأن الحكم لأمير الجيش إذا قلت الغنيمة وكثر العدد أن يشرك بين الجماعة في الرأس الواحد ، فيعطي لعشرة فرسا ولعشرة جارية ولعشرة بعيرا ، فإذا اختاروا ذلك وقبلوه صار مشتركا بينهم ، كسائر أموالهم المشتركة بابتياع أو ميراث ، فيكون في حكم هذه الجارية بعد إحبالها كحكم الجارية المشتركة إذا أحبلها أحد الشركاء فلا حد عليه : لأنه قدر ملكه فيها شبهة في باقيها ، وعليه من مهر مثلها
[ ص: 239 ] بقدر حصص شركائه فيها ، ويصير ملكه منها أم ولد له : لأنه قد أحبلها بحر في ملك ولا يخلو في باقيها من أن يكون موسرا بقيمته أو معسرا به ، فإن كان موسرا بباقيها قوم عليه ، كما تقوم عليه حصص شركائه لو أعتق قدر سهمه ، فعلى هذا يكون جميع ولده حرا : لأنها علقت به في ملك وفي شبهة ملك ، ولا قيمة عليه للولد : لأنها ولدته في ملكه ، وقد صار جميعها أم ولد له ؛ لأنها علقت منه بحر في ملك ، وإن كان معسرا بحصص شركائه منها لم يقوم عليه باقيها ، وكان ملكا لشركائه فيها ، وكان قدر سهمه من الولد وهو العشر : لأن أحد الشركاء العشرة حر : لأنه قدر ما يملكه منه ، كما قد صار عشر الأم أم ولد في تقويم باقي الولد عليه مع إعساره وجهان :
أحدهما : لا يقوم عليه مع الإعسار ، كما لا يقوم عليه باقي الأم إذا كان معسرا ، فعلى هذا يكون عشر الولد حرا ، وباقيه مملوكا ، وعشر الجارية أم ولد وباقيها مملوكا ، وإن ملك باقيها من بعد بابتياع أو ميراث كان باقيها على رقه ، ولم تصر أم ولد له : لأنه مقابل لرق ولده : لأنها علقت بمملوك في غير ملك .
والوجه الثاني : يقوم عليه بقيمة الولد مع إعساره ، وإن لم تقوم عليه بقية الأم بإعساره .
والفرق بينهما أن الحرية في الولد أصل متقدم ، وهي في الأم فرع طارئ فلم تتبعض حرية الولد : لأن الرق لا يطرأ على حرية ثابتة ، فجاز أن يتبعض في الأم ؛ لأن العتق يجوز أن يطرأ على رق ثابت ، فعلى هذا يصير جميع الولد حرا ، ويكون عشر الأم أم ولد ، فإن ملك باقيها من بعد ، فهل تصير أم ولد له على قولين : لأنه قد أولدها حرا في غير ملك ، والله أعلم .