فصل : وأما القسم الرابع : وهو
عقد الذمة : فهو أن يقر
أهل الكتاب على المقام في دار الإسلام بجزية يؤدونها عن رقابهم في كل عام ، وهو أوكد العقود الأربعة : لأنها موافقة لها من وجهين ، ومخالفة لها من وجهين ، وزائدة عليها من وجهين .
[ ص: 298 ] فأما الوجهان في الموافقة :
فأحدهما : الأمان .
والثاني : كفهم عن مطاولة الإسلام .
وأما الوجهان من المخالفة :
فأحدهما : اختصاص الذمة
بأهل الكتاب ، وعموم ما عداها في
أهل الكتاب وغير
أهل الكتاب .
والثاني : وجوب
الجزية على أهل الذمة ، وسقوطها عن غير أهل الذمة .
وأما الوجهان في الزيادة :
فأحدهما : أن عقد الذمة مؤبد ، وما عداه مقدر ، فإن قدرها بمدة فهي ناقصة عن حكم الكمال ، ويتقدر أقلها بسنة يستحق فيها الجزية ، ولا يتقدر أكثرها بالشرع ، وتتقدر بالشرط ، وإن زادت على مدة الهدنة أضعافا لأنها لما انعقدت على الأبد جاز أن تعقد مقدرة بأكثر الأبد .
والثاني : أن
عقد الذمة يوجب الذب عنهم من كل من أرادهم من مسلم وكافر ، وما عداه يوجب ذب المسلمين عنهم دون غيرهم .
فإن عقدها لأهل الذمة على أن لا يذب أهل الحرب عنهم نظر .
فإن كانوا في بلاد الإسلام لم يجز ، وإن كانوا في بلاد الحرب جاز : لأن التمكين منهم في بلاد الإسلام تسليط لأهل الحرب على المسلمين ، ولو عقد العهد على أن يمنع أهل الحرب عنهم ، فإن كانوا في بلاد الإسلام جاز ، وإن كانوا في دار الحرب لم يجز إلا بشرطين :
أحدهما : أن يعلم الإمام من نفسه قوة على المنع .
والثاني : أن يعقدها على مال يبذلونه .
فإن عدم أحد الشرطين لم يجز .
فأما
جريان أحكامنا عليهم ، فقد قال
الشافعي في تأويل قول الله تعالى :
حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون [ التوبة : 29 ] . إن الصغار أن يجري عليهم أحكام الإسلام ، وله في المراد بهذه الأحكام قولان :
أحدهما : التحكم بالقوة والاستطالة .
والثاني : الأحكام الشرعية .
[ ص: 299 ] فعلى الأول لا تلزمهم أحكامنا .
وعلى الثاني تلزمهم أحكامنا ، ولا تلزم من عداهم قولا واحدا ، ولا يتولى عقد الذمة إلا الإمام ، وإذا بذلوا الجزية وجب على الإمام أن يعقد لهم الذمة .