[ ص: 303 ] مسألة : قال
الشافعي : " وإن
صالحوا على ضيافة ما ضفت ثلاثا ، قال : ويضيف الموسر كذا والوسط كذا ، ويسمى ما يطعمونهم خبز كذا ، ويعلفون دوابهم من التبن والشعير كذا ، ويضيف من مر به من واحد إلى كذا ، وأين ينزلونهم من فضول منازلهم ، أو في كنائسهم ، أو فيما يكن من حر وبرد " .
قال
الماوردي : يجوز أن يصالح أهل الذمة على عقد الجزية على ضيافة من يمر بهم من المسلمين ، لما روي
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالح أكيدر دومة عن نصارى أيلة على ثلاثمائة دينار ، وكانوا ثلاثمائة رجل ، وأن يضيفوا ما مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام لا يغشوا مسلما .
وصالح
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
نصارى الشام على أن ضرب عليهم الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير ، وعلى أهل الورق ثمانية وأربعون درهما ، وضيافة ثلاثة أيام ، ولأنه مرفق يستزاد من المشركين ويستعين به سابلة المسلمين ، وإذا كان كذلك فالكلام في عقد هذه الضيافة مشتمل على ثلاثة فصول :
أحدها : حكمها فيمن يشترط عليه .
والثاني : حكمها فيمن تشترط له .
والثالث : حكم بيانها .
فأما الفصل الأول : فيمن يشترط عليه ، فمعتبر بثلاثة شروط :
أحدها : أن يبذلوها طوعا لا يجبرون عليها : لأنها عقد مراضاة ، فلم يصح إلا عن اختيار كالجزية ،
فإن امتنعوا من الضيافة ، ولم يجيبوا إلى غير الدينار قبل منهم ، وأسقطت الضيافة عنهم كما تسقط عنهم الزيادة على الدينار إذا امتنعوا منها ، فإن امتنع منها بعضهم ، وأجاب إليها بعضهم سقطت عمن امتنع ولزمت من أجاب .
والثاني : أن يكون بهم قوة عليها لا يضعفون عنها إما لخصب بلادهم ، وإما لكثرة أموالهم ، فإن ضعفوا عنها لم يؤخذوا بها ، واختص وجوبها بالأغنياء والمتوسطين دون المقلين ، بخلاف الجزية : لأن الضيافة تتكرر في السنة ، والجزية لا تتكرر .
والثالث : أن تشترط عليهم بعد جزية رءوسهم وهو الدينار الذي هو أصل المأخوذ منهم ، ليكون زيادة معونة ومرفق ، فإن
جعلت الضيافة هي الجزية ، ولم يؤخذ دينار الجزية ، ففي جوازه لأصحابنا وجهان :
أحدهما : - وهو قول
أبي إسحاق المروزي ،
وأبي علي بن أبي هريرة ، وجمهور
[ ص: 304 ] البغداديين - أنه لا يجوز إلا بعد الدينار : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح
أهل أيلة عليهما ، وكذلك
عمر في صلح أهل
الشام ، ولأن الدينار معلوم يعم نفعه ، فلم يجز أن يسقط بالضيافة التي يخص نفعها .
والوجه الثاني : - وهو قول كثير من البصريين - يجوز الاقتصار عليها إذا لم يبذلوا الدينار معها ، إذا كان مبلغها في السنة معلوما قدر الدينار فما زاد : لأن الضيافة جزية ، فلم يلزم أن يجمع عليهم بين جزيتين ، كما لم يلزم في نصارى
بني تغلب حين ضاعف
عمر عليهم الصدقة أن يأخذها مع دينار الجزية : لأن كل واحد منهما جزية ، ولأنه لما جاز أن يصالحوا على الدينار دون الضيافة جاز أن يصالحوا على الضيافة دون الدينار .
فعلى الوجه الأول : يجوز أن يشترط عليهم ضيافة من يمر بهم ، وإن لم يعلم عددهم في جميع السنة ، وإن لم يمر بهم أحد لم يؤخذ منهم ثمن الضيافة .
وعلى الوجه الثاني : لا يصح حتى يعلم عدد الأضياف في جميع السنة ، وإن لم يمر بهم أحد ، أو مر بهم بعض العدد حوسبوا ، وأخذ منهم ثمن ضيافة من بقي ، فيكون الفرق بين الوجهين من وجهين :
أحدهما : جوازه على الوجه الأول ، وإن لم يعلم عددهم في جميع السنة ، ولا يجوز على الوجه الثاني حتى يعلم عددهم في جميع السنة .
والثاني : أن لا يؤخذ منهم على الوجه الأول قيمة الضيافة إن تأخر الأضياف ، وتؤخذ منهم على الوجه الثاني قيمتها إن تأخروا .