[ ص: 400 ] كتاب الجمعة وغيرها من أمرها
مسألة : قال
الشافعي ، رحمه الله تعالى : " أخبرنا
إبراهيم بن محمد قال : حدثني
سلمة بن عبيد الله الخطمي ، عن
محمد بن كعب القرظي أنه سمع رجلا من
بني وائل يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921736تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال .
الجمعة من فروض الأعيان بدلالة الكتاب والسنة والإجماع ، وقال تعالى :
ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع [ الجمعة : 9 ] . فأوجب السعي إليها ، وأوجب ترك البيع لأجلها ، ثم قال عز وجل بعد ذلك على سبيل الذم لمن تخلف عنها :
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين [ الجمعة : 11 ] .
وكان سبب ذلك ما روي أن
رباح بن ربيعة بن صيفي ، وهو ابن أخي
أكثم بن صيفي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
لليهود يوم ، وللنصارى يوم ، فلو كان لنا يوم ، فنزلت سورة الجمعة .
وقال سبحانه على سبيل " القسم " في سورة البروج
وشاهد ومشهود [ البروج : 3 ] . قال أهل التفسير : الشاهد : الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة ، وقد رواه
عطاء ،
وابن المسيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذا دليل الكتاب .
[ ص: 401 ] وأما السنة ، فروى
الشافعي عن
سفيان عن
عبد الله بن طاوس عن أبيه عن
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921738 " نحن الآخرون السابقون ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، فهذا اليوم الذي ضل عنهم ، فهدانا الله له ، الناس لنا فيه تبع ، فاليوم لنا ، ولليهود غدا ، وللنصارى بعد غد .
وروى
سعيد بن المسيب عن
جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921739توبوا إلى ربكم ، عز وجل ، قبل أن تموتوا ، وبادروا إلى ربكم سبحانه بالأعمال الصالحة ، واعلموا أن الله سبحانه فرض عليكم الجمعة في عامي هذا ، في شهري هذا ، في ساعتي هذه ، فريضة مكتوبة ، فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي إلى يوم القيامة جحودا بها ، واستخفافا بحقها ، فلا جمع الله تعالى له شملا ، ولا بارك له في أمره ، ألا لا صلاة له ، ألا لا صوم له ، ألا لا حج له ، ألا لا زكاة له ، ألا لا صدقة له ، ألا ولا بر له ، فمن تاب تاب الله عليه .
وروى
أبو الزبير عن
جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة في كل يوم جمعة ، إلا مريضا ، أو مسافرا ، أو امرأة ، أو صبيا ، أو مملوكا .
وروى
أبو الجعد الضمري وكانت له صحبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921741لا يترك الجمعة رجل ثلاثا تهاونا بها إلا طبع الله على قلبه .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921742من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر فقد نبذ الإسلام وراء ظهره .
وكان
ابتداء أمر الجمعة ما حكاه أهل السير ، ونقله أصحاب الحديث ، أن رسول
[ ص: 402 ] الله صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى
المدينة أنفذ إليها وهو
بمكة مصعب بن عمير أميرا عليها ، وأمره أن يقيم الجمعة ، وكان يدعى القارئ ، فخرج
مصعب من
مكة حتى ورد
المدينة ، فنزل على
أسعد بن زرارة ، وكان من النقباء فأخبره بأمر الجمعة وأحب
مصعب أن يشرف
أسعد فأمره أن يتولى الصلوات بنفسه ، فصلى
أسعد بالناس الجمعة ، في حي
بني بياضة بأمر
مصعب " وكانت أول جمعة صليت في الإسلام ، فإن قيل فلم أمر
مصعبا بإقامتها
بالمدينة ، ولم يصلها هو وأصحابه
بمكة ؟ قيل : يحتمل أمرين : أحدهما : قلة أصحابه عن العدد الذي تنعقد به الجمعة : لأنهم كانوا دون الأربعين حتى تموا
بعمر رضي الله عنه . والثاني : وكأنه أشهر أن من شأن الجمعة إظهارها وانتشار أمرها ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خائفا من
قريش لا يقدر على مجاهرتهم بها ، فلذلك لم يصلها ، على أنه يجوز أن تكون الجمعة ، قبل الهجرة ، لم تفرض على الأعيان ، ثم فرضت على الأعيان بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأن
جابرا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره
بالمدينة nindex.php?page=hadith&LINKID=921743إن الله ، عز وجل ، فرض عليكم الجمعة في عامي هذا ، في شهري هذا ، في ساعتي هذه فدل على أن الجمعة لم تكن فرضا قبل ذلك اليوم . وقد كان يوم الجمعة يسمى في الجاهلية عروبة ، قال الشاعر :
نفسي الفداء لأقوام هم خلطوا يوم العروبة أورادا بأوراد
وكانوا يسمون الأحد أول ، والإثنين أهون ، والثلاثاء جبارا ، والأربعاء دبارا ، والخميس مؤنسا ، والجمعة عروبة .
قال الشاعر :
أؤمل أن أعيش وإن يومي بأول أو بأهون أو جبار
أو التالي دبار فإن أفته فمؤنس أو عروبة أو شيار