فصل : فإذا تقرر أن الجمعة من فروض الأعيان ، فوجوبها معتبر بسبع شرائط ، وهي البلوغ ، والذكورية ، والعقل ، والحرية ، والإسلام ، والصحة ، والاستيطان ، فهذه
سبع [ ص: 403 ] شرائط تعتبر في وجوب الجمعة اثنان منهما شرط في وجوب الجمعة وجوازها ، والخمسة الباقية شرط في وجوبها دون جوازها .
فأما الشرطان اللذان هما شرط في وجوبها وجوازها فيهما : العقل والإسلام : لأن فقد العقل يمنع من التكلف ، وعدم الإسلام يمنع من جواز العمل . ثم الناس في الجمعة على أربعة أضرب : ضرب تجب عليهم الجمعة ولا تنعقد بهم ، وضرب لا تجب عليهم وتنعقد بهم ، وضرب لا تجب عليهم ولا تنعقد بهم .
فأما الضرب الذي تجب عليهم ، ويلزمهم إتيانها ، وتنعقد بهم إذا حضروا فهم : الذين قد وجدت فيهم الشرائط السبعة .
وأما الضرب الذي تجب عليهم ولا تنعقد بهم فهم : المقيمون في غير أوطانهم ، كرجل دخل بالبصرة فنوى أن يقيم فيها سنة لطلب علم ، أو تجارة ثم يعود إلى وطنه ، فهؤلاء تجب عليهم الجمعة لمقامهم ، وقد اختلف أصحابنا في انعقاد الجمعة بهم فقال
أبو علي بن أبي هريرة : تنعقد بهم الجمعة ، لأن كل من وجب عليه الجمعة انعقدت به الجمعة كالمستوطن .
وقال
أبو إسحاق المروزي : تجب عليهم الجمعة ولا تنعقد بهم : لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع ، وأقام يوم
عرفة يوم الجمعة ، فلم يصل رسول صلى الله عليه وسلم الجمعة ، ولا أمر بها
أهل مكة .
وقد حكي أن
الشافعي ومحمد بن الحسن اجتمعا عند
الرشيد ، فسأل
الرشيد محمد بن الحسن عن
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ، هل كانت جمعة أو ظهرا ؟ فقال : جمعة : لأنه خطب قبل الصلاة ، ولو كانت غير جمعة لأخر الخطبة . ثم سأل
الشافعي رضي الله عنه ، فقال : كانت ظهرا : لأنه أسر فيها بالقراءة ، ولو كانت جمعة لجهر ، فقال
الرشيد : صدقت . وقد نقلت هذه الحكاية عن
مالك ، رضي الله عنه ،
وأبي يوسف رحمه الله .
وأما الضرب الذين لا تجب عليهم وتنعقد بهم فهم : المرضى ، وإنما لم تجب عليهم لما يلحقهم من المشقة في حضورها ، وانعقدت بهم الجمعة إذا حضروها لزوال عذرهم .
وأما الضرب الذين لا يجب عليهم حضورها ولا تنعقد بهم إذا حضروا فهم ثلاثة
[ ص: 404 ] أصناف : النساء ، والعبيد ، والمسافرون ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استثناهم في حديث
جابر وغيره ، في أنها لم تنعقد بهم إذا حضروها خلاف المريض : لبقاء أعذارهم وإن حضروها ، وهو الأنوثة والرق ، والسفر ، وزوال عذر المريض إذا حضر .