فصل : فإذا تقرر ما ينتقض به العهد ، ولا ينتقض ، فإن لم ينتقض به عهدهم أخذوا بما وجب عليهم من الحقوق ، وأقيم عليهم من قتل ، ولزمه من حد ، وقوموا به من تأديب ، وإن انتقض عهدهم ، نظر حالهم بعد نقضهم ، فإن قاتلوا بطل أمانهم ،
[ ص: 320 ] وكانوا حربا يقتلون ، ويسترقون ، وإن لم يقاتلونا ففي بطلان أمانهم بانتقاض عهدهم قولان :
أحدهما : نص عليه في كتاب الجزية أن أمانهم لا يبطل بنقض العهد : لأنه مستحق في عقد ، فالتزمنا حكمه ، وإن لم يلتزموه .
ولا يجوز بعد
نقض العهد أن يقروا في دار الإسلام ولزم أن يبلغوا مأمنهم ، ثم يكونوا بعد بلوغ مأمنهم حربا .
والقول الثاني : نص عليه في كتاب النكاح من الأم أن أمانهم قد بطل : لأنه مستحق بالعهد ، فبطل بانتقاضه ما استحق به كسائر العقود ، فعلى هذا قد صاروا ببطلان الأمان حربا يجري عليهم حكم الأسرى إما الاسترقاق أو المن ، أو الفداء ، فلو أسلموا قبلها سقطت عنهم ، ولم يجز أن يسترقوا ، ويفادوا بعد إسلامهم ، وإن جاز استرقاق الأسير المحارب بعد إسلامه : لأن لهؤلاء أمانا متقدما لم يكن للأسير ، فصار حكمهم به أضعف وأخف من الأسير .
فأما أمان ذراريهم من النساء والصبيان ، ففي بطلان أمانهم وجهان :
أحدهما : يبطل : لأنهم تبع في لزومه ، فكانوا تبعا في بطلانه ، فيصيروا سبيا .
والوجه الثاني : - وهو أظهر - أن أمانهم لا يبطل لاستقراره فيهم ، فلم يبطل ببطلانه في غيرهم ، فلا يجوز أن يسبوا ، ويجوز إقرارهم في دار الإسلام ، فإن سألوا الرجوع لدار الحرب أعيد الصبيان : لأنه لا حكم لاختيار من لم يبلغ ، وأقام الصبيان حتى يبلغوا ، ثم يخاطبوا بالجزية ، فإن التزموها استؤنف عهدهم عليها ، وإن امتنعوا منها بلغوا مأمنهم ، ثم كانوا حربا ، فإن لم يبلغ الصغار وطلبهم أهلوهم من دار الحرب نظر .
فإن كان طالبهم هو المستحق لحضانتهم أجيب إلى ردهم عليه ، وإن كان غير المستحق لحضانتهم منع منهم .