مسألة : قال
الشافعي : ولا يدخلوا مسجدا .
قال
الماوردي : وهذا معتبر بعقد الذمة معهم ، فإن شرط فيه أن لا يدخلوا
مسجد المسلمين منعوا من دخوله بحكم الشرط ، وإن أغفل شرطه عليهم منعوا من دخوله لأكل ومنام ، لما فيه من استبذالهم له ، وإن لم يمنع منه المسلم : لأن المسلم يعتقد تعظيمه دينا ، والمشرك يرى استبذاله دينا .
وأما دخولها لغير ذلك من سماع القرآن ، وما يعرض فيه من حاجة إلى مسلم ، فيجوز بإذن ويمنعون منه بغير إذن .
قال الله تعالى :
وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [ التوبة : 6 ] . فدلت هذه الآية على إباحة الدخول بعد الإذن .
فإن قدمت وفود المشركين ، فالأولى أن ينزلهم الإمام في غير المساجد ، فإن أراد إنزالهم في المساجد اعتبرت حالهم .
فإن خيف منهم تنجيس المسجد منعوا من نزوله ، وإن أمن منهم تنجيسه نظر
[ ص: 329 ] فيه ، إن لم يرج إسلامهم منعوا من نزوله صيانة له من الاستبذال ، وإن رجي إسلامهم عند سماع القرآن جاز إنزالهم فيه .
قد
nindex.php?page=hadith&LINKID=925126أنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد ثقيف في المسجد ، فكان سببا لإسلامهم ، وإسلام قومهم .
ولو دعت الضرورة فيمن لم يرج إسلامهم إلى إنزالهم في المسجد لتعذر ما ينزلون فيه ، مستكنين فيه من حر أو برد جاز لأجل الضرورة أن ينزلوا :
لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل سبي بني قريظة وبني النضير من ضرورة حتى أمر بهم ، فبيعوا .
nindex.php?page=hadith&LINKID=925128وربط ثمامة بن أثال الحنفي إلى سارية في مسجده .
فأما من يصح منه الإذن ، فلا يخلو أن يكون لمقام أو اجتياز ، فإن كان لمقام أكثر من ثلاثة أيام تزيد على مقام السفر لم يصح الإذن فيه إلا من سلطان ينفذ أمره في الدين أو يجتمع عليه أهل تلك الناحية من المسلمين ، ويكون الإذن مشروطا أن لا يستضر به أحد من المصلين .
وإن كان دخوله لاجتياز أو لبث يسير نظر في المسجد .
فإن كان من الجوامع التي لا يترتب الأئمة فيها إلا بإذن السلطان لم يصح الإذن في دخوله إلا من سلطان : لأنه لما اعتبر إذنه في إمامة الصلاة المفروضة ، كان أولى أن يعتبر فيما أبيح من دخول أهل الذمة .
وإن كان المسجد من مساجد القبائل والعشائر التي يترتب فيها أئمتها بغير إذن السلطان لم يعتبر إذن السلطان في دخوله .
وفي من يصح إذنه وجهان :
أحدهما : كل من صح أمانه لمشرك من رجل وامرأة ، وحر وعبد ، صح إذنه في المسجد : لأن حكم الأمان أغلظ .
الوجه الثاني : أنه لا يصح إلا إذن من كان من أهل الجهاد من الرجال الأحرار ، لما تعلق بهم حق الله تعالى ، والأول أظهر .