مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن
أراد أن يهادن إلى غير مدة على أنه متى بدا له نقض الهدنة فجائز ، وإن كان قويا على العدو لم يهادنهم أكثر من أربعة أشهر لقوله تعالى لما قوي الإسلام
براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين الآية ، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم -
لصفوان بعد فتح
مكة بسنين أربعة أشهر لا أعلمه زاد أحدا بعد قوة الإسلام عليها " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح .
يجوز في الهدنة أن تكون غير مقدرة المدة إذا علقت بشرط أو على صفة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925136لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وادع يهود خيبر قال : أقركم ما أقركم الله ، ويكون الإمام مخيرا فيها إذا أراد نقضها ، وليست من عقود المعاوضات التي تمنع الجهالة فيها ، وإذا جاز إطلاقها بغير مدة لم يجز أن يقول لهم : أقركم ما أقركم الله ، وإن قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل
خيبر : لأن الله تعالى يوحي إلى رسوله مراده دون غيره ، وكذلك لو قال : أقركم ما شئت فيجوز ، ويكون موقوفا على مشيئته ، فيما يراه صلاحا من استدامة الهدنة أو نقضها ، فإن عقدها على مشيئتهم لم يجز : لأنهم يصيرون متحكمين على الإسلام وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
الإسلام يعلو ولا يعلى " : وإن
عقدها الإمام على مشيئة غيره من المسلمين جاز إذا اجتمعت فيه ثلاثة شروط :
أحدها : أن يكون من ذوي الاجتهاد في أحكام الدين .
والثاني : أن يكون من ذوي الرأي في تدبير الدنيا .
والثالث : أن يكون من ذوي الأمانة في حقوق الله تعالى وحقوق عباده .
فإن تكاملت فيه صح وقوف الهدنة على مشيئته ، وإن أخل بشرط منها لم يصح ، فإذا انعقدت نظر :
[ ص: 353 ] فإن كان من ولاة الجهاد عمل على رأيه في استدامة الهدنة بالموادعة أو نقضها بالقتال ، ولم يلزمه استئذان الإمام في الحالين ، وإن لم يكن من ولاة الجهاد جاز له استدامتها بغير إذن الإمام ، ولم يكن له نقضها إلا بإذن الإمام : لأنه موافق في الاستدامة ، ومخالف في النقض ، وإذا كان كذلك لم يخل حاله وحال الإمام من أربعة أحوال :
أحدها : أن يتفقا على استدامتها فتلزم .
والثاني : أن يتفقا على نقضها فتنحل .
والثالث : أن يرى المحكم نقضها ، ويرى الإمام استدامتها ، فتغلب استدامة الإمام ، ويصير كالمبتدئ بها .
والرابع : أن يرى المحكم استدامتها ، ويرى الإمام نقضها ، فينظر فإن كان لعذر يغلب نقض الإمام ، وإن كان لغير عذر غلب استدامة المحكم كالمدة المقدرة .
ولو
أطلق الهدنة من غير شرط ، أو على غير صفة ، فقال : قد هادنتكم لم يجز : لأن إطلاقها يقتضي التأبيد ، وهو لو أبدها بطلت كذلك إذا أطلقها ، وإذا أراد الإمام نقض العهد لم يبدأ بقتالهم إلا بعد إنذارهم وإعلامهم ، لقول الله تعالى :
وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين [ الأنفال : 58 ] .