فصل : وأما الفصل الثاني في الرجال فضربان :
أحدهما : في
استحقاق رد الأقوياء ، فصفة الرد أن يكون إذنا منه بالعود ، وتمكينا لهم من الرد ، ولا يتولاه الإمام جبرا إن تمانع المردود ، وكذلك أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
لأبي جندل وأبي بصير في العود ، فإن أقام المطلوب على تمانعه من العود قيل للطالب : أنت ممكن من استرجاعه ، فإذا قدرت عليه لم تمنع منه ، وإن عجزت عنه لم تعن عليه ، وروعي حكم الوقت فيما يقتضيه حال المطلوب ، فإن ظهرت المصلحة في حثه على العود لتألف قومه أشار به الإمام عليه بعد وعده بنصر الله ، وجزيل ثوابه ، ليزداد ثباتا على دينه ، وقوة في استنصاره ، وإن ظهرت المصلحة في تثبيطه عن العود أشار به سرا وأمسك عن خطابه جهرا ، فإن ظهر من الطالب عنف بالمطلوب واعده الإمام فإن كان لفرط إسفاق تركه ، وإن كان لشدة منعه ، فإن كان مع المطلوب مال أخذه من الطالب الذي نظر فيه :
فإن كان أخذه قبل الهدنة كان المطلوب أحق به .
وإن أخذه بعد الهدنة كان الطلب أحق به : لأن أمواله قبل الهدنة مباحة ، وبعدها محظورة .
فأما إن كان المطلوب منا مقيما على شركه بعد لم يسلم مكن طالبه منه سواء كان قويا أو ضعيفا رجلا كان أو امرأة خيف عليهم منهم أو لم يخف : لأن الهدنة قد أوجبت أمانه منا ، ولم توجب أن نؤمنه منهم ، واستحق بمطلق الهدنة تمكينهم منهم ، ولم يستحق بها أن نقوم برده عليهم إلا أن يشترطوا ذلك علينا ، فيلزمنا بالشرط أن نرده بخلاف المسلم الذي لا يجوز أن يرد ، ولا يلزمنا أن نعاوضهم عنه .
فإن
شرطها في عقد الهدنة ، أن نعاوضهم عمن لحق بنا من كفارهم كان الشرط باطلا : لأنه لا يملك أن يبذل أموال المسلمين عن المشركين للمشركين .