مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : "
وليس لأحد أن يعقد هذا العقد إلا الخليفة أو رجل بأمره : لأنه يلي الأموال كلها " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال . لا يصح أن يتولى عقد الهدنة العامة إلا من إليه النظر في الأمور العامة ، وهو الخليفة ، أو من استنابه به فيها الخليفة : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاهد
بني قريظة وبني النضير بنفسه ، وهادن
قريشا عام
الحديبية بنفسه : ولأن الخليفة ، لإشرافه على جميع الأمور أعرف بمصالحها من أشذاذ الناس : ولأن أمره بالولاية أنفذ ، وهو على التدبير والحراسة أقدر .
[ ص: 369 ] فإن استناب فيها من أمره بعقدها صح : لأنها صدرت عن رأيه ، فلم يلزمه أن يباشرها بنفسه : لأنه عام النظر ، فلم يفرغ لمباشرة كل عمل ، فإن استناب فيها من فوض عقدها إلى رأيه جاز إذا كان من أهل الاجتهاد والرأي ، وكان عقدها في هذا منسوبا إلى المستناب المباشر ، وفي ما قبله منسوبا إلى المستنيب الآمر ، وهما في اللزوم على سواء .
وأما ولاة الثغور ، فإن كان تقليدهم تضمن الجهاد وحده لم يكن لواحد منهم أن يعقد الهدنة إلا قدر فترة الاستراحة ، وهي أربعة أشهر ، ولا يجوز أن يكون سنة : لأن عليه أن يجاهد في كل سنة ، وفيما بين أربعة أشهر وسنة قولان : لأنه قعد في هذه المدة عن الجهاد من غير هدنة جاز ، فكان مع الهدنة أولى بالجواز .
وإن تضمن تقليد والي الثغور أنه يعمل برأيه في الجهاد والموادعة جاز أن يعقد الهدنة عند الحاجة إليها : لدخولها في ولايته ، والأولى أن يستأذن فيها الخليفة ، فإن لم يستأذنه انعقدت .