مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : "
ولا يجوز عشور ما زرعوا لأنه مجهول " .
قال
الماوردي : وهذا على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تكون الأرض قد صارت ملكا للمسلمين ، وهي دار الإسلام ، وهم
[ ص: 372 ] فيها أهل ذمة يلزمهم خراج الأرض وجزية الرءوس ، فلا يجوز الاقتصار منهم على عشور ما زرعوا : لأن عليهم حقين : الخراج ، والجزية ، فإن جعل العشر خراجا بقيت الجزية ، وكان الخراج فاسدا : لأنه أجرة لا تصح إلا معلومة ، وهذه مجهولة : لأنهم قد يزرعون ولا يزرعون ، ويكون زرعهم قليلا أو كثيرا .
وإن جعل العشر جزية بقي الخراج ، وكانت الجزية فاسدة لما ذكرنا من الجهالة بها .
والقسم الثاني : أن
تكون الأرض لهم ، وهي دار حرب ، وهم فيها أهل عهد ، فيجوز أن يصالحوا على عشور ما زرعوا : لأنه لا خراج على أرضهم لبقائها على ملكهم . ولا جزية على رءوسهم لمقامهم في دار الحرب ، فيصير عشر زرعهم مال صلح ليس بخراج ، ولا جزية ، فجاز قليله وكثيره في العلم به ، والجهل : لأنه مال تطوع .
والقسم الثالث : أن
تكون الأرض باقية على ملكهم ، وهي دار الإسلام : لأنهم فيها أهل ذمة تلزمهم جزية رءوسهم ، ولا يلزمهم خراج أرضهم ، فيكون صلحهم على عشور ما زرعوا والجزية عن الرءوس ، فقد قال
الشافعي : لا يجوز : لأنه مجهول .
فاختلف أصحابنا في وجه فساده على ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو قول
أبي إسحاق المروزي أنه لم يجز : لأنه لم يعلم هل يفي أقله بقدر الجزية أو لا يفي ، فإن علم أنه يفي بقدر الجزية جاز .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة أنه لا يجوز إذا كان لهم مكسب غير الزرع : لجواز أن لا يزرعوا ، فإن لم يكن لهم كسب غير الزرع جاز : لأنهم لا يدعونه إلا من ضرورة .
والوجه الثالث : وهو الأصح أنه لا يجوز إذا لم يضمنوا تمام الجزية عند قصوره أو فواته .
ويجوز إن ضمنوا تمام ما قصر أو فات : لأن قدر الجزية إذا تحقق حصوله لم تؤثر الجهالة فيما عداه من الطوع ، والله أعلم .