الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الضرب الثاني : في انتقاله إلى دين لا يقر عليه أهله ، كانتقاله من يهودية أو نصرانية أو مجوسية إلى وثنية ، أو زندقة ، فإنه لا يقر عليه ، ويؤخذ بالانتقال عنه : لأنه لا حرمة لما انتقل إليه ، ولا يجوز إقرار أهله عليه ، فكان إقرار غير أهله أولى أن لا يجوز ، وإذا كان كذلك ففي الذي يؤمر بالرجوع إليه ثلاثة أقاويل :

أحدها : الإسلام لا غير : لأنه دين الحق ، فكان أحق بالعود إليه .

القول الثاني : الإسلام أو دينه الذي كان عليه لما تقدم من صلحه عليه .

والقول الثالث : الإسلام ، أو دينه الذي كان عليه ، أو دين يقر أهله عليه ، ففيما علا كاليهودية ، والنصرانية ، أو انخفض كالمجوسية : لأن الكفر كله ملة واحدة ، وفي صفة دعائه إلى ذلك ما قدمناه من الوجهين .

فإن عاد إلى المأمور به من الدين أقر عليه ، ولا جزية عليه فيما بين انتقاله وعوده لأنه في حكم المرتدة ، ولا جزية على مرتد ، وإن امتنع من العود إلى الدين المأمور به ففيما يلزم من حكمه قولان على ما مضى :

أحدهما : ينبذ إليه عهده ، ويبلغ مأمنه بماله وبمن أطاعه من ذريته ، ثم يكون حربا .

فأما من تمانع عليه من ذريته : فمن كان منهم بالغا من نسائه وبناته ، كان أملك بنفسه ، ومن كان منهم صغيرا روعي مستحق حضانته ، فإن كان هو المستحق لها ، كان له إخراجهم جبرا ، وعاونه الإمام عليه ، وإن كان المقيم أحق بحضانته منع منهم ، وأقر مع المقيم .

والقول الثاني : أنه يصير في حكم المرتد يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل ، ويكون ماله فيئا لبيت المال .

فأما ذريته فمن كان منهم بالغا ، فله حكم معتقده بنفسه ، فإن أقام على دينه أقر عليه ، وإن انتقل عنه مع وليه صار على حكمه .

[ ص: 378 ] فأما من كان منهم صغيرا ، فهو على دينه الأول لا يزول عنه حكمه بانتقال أبيه كما لا يصير ولد المرتد مرتدا ، فإن كان لصغار أولاده أم وعصبة كانوا في كفالة أمهم ، وفي جزية عصبتهم .

وإن كان لهم أم ، ولم يكن لهم عصبة كانوا في كفالة أمهم ، وفي جزية قومها ، وإن كان لهم عصبة ، ولم يكن لهم أم كانوا في كفالة عصبتهم ، وفي جزيتهم ، وإن لم يكن لهم أم ولا عصبة كانوا في كفالة أهل دينهم ، وفي جزيتهم : لقول الله تعالى : والذين كفروا بعضهم أولياء بعض فكانوا ألحق بكفالتهم من المسلمين ، فإن تمانعوا من كفالتهم أقرع بينهم ، وأجبر عليها من قرع منهم .

فأما نفقاتهم إذا لم يكن لهم مال ، ولا ذو قرابة يلتزمها ، ولا وجد في قومهم متطوع بها ، فهي مستحقة من تركة من مات منهم عن غير وارث : لأنها ، وإن كانت تصير إلى بيت المال ، فبعد فواضل الحقوق .

ولو قيل : إنها في سهم المصالح من خمس الخمس كان مذهبا ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية