مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : "
وما كانوا يدينون به فلا يجوز حكمنا عليهم بإبطاله ، وما أحدثوا مما ليس بجائز في دينهم وله حكم عندنا أمضي عليهم ، قال : ولا يكشفون عن شيء مما استحلوه مما لم يكن ضررا على مسلم أو معاهد أو مستأمن غيرهم "
قال
الماوردي : وجملة ما يفعله أهل الذمة في بلادنا من عقد وأحكام ينقسم أربعة أقسام :
[ ص: 387 ] أحدها : ما كان جائزا في شرعهم وشرعنا ، فهم مقرون عليه في دينهم إذا ترافعوا إلينا فيه .
والقسم الثاني : ما كان باطلا في شرعهم وشرعنا ، فهم ممنوعون منه إذا ظهر لنا : لأنهم أقروا في دارنا على مقتضى شرعهم .
والقسم الثالث : ما كان جائزا في شرعنا باطلا في شرعهم ، فيقرون عليه لأنهم فيه على حق ، وفيما عداه باطل .
والقسم الرابع :
ما كان باطلا في شرعنا جائزا في شرعهم ، فإن تحاكموا فيه إلينا أبطلناه ، وإن لم يتحاكموا فيه إلينا تركناه إن أخفوه ، فإن أظهروه لنا فهو ضربان :
أحدهما : أن لا يتعلق بالمنكرات الظاهرة ، كالمناكح الفاسدة والبيوع الباطلة ، فيقرون عليهما ، ولا يمنعون منها .
والضرب الثاني : أن يكون من المنكرات الظاهرة ، كالتظاهر بنكاح ذوات المحارم ، والمجاهرة بابتياع الخمور ، والخنازير ، فيمنعون ، ويعزرون عليها : لأن دار الإسلام تمنع من المجاهرة بالمنكرات .
وفي نسخ عقودهـم عليهم ، وإن لم يتحاكموا فيها إلينا وجهان :
أحدهما : تفسخ عليهم : لأن المجاهرة ظهور منكر منهم .
والوجه الثاني : أنها لا تفسخ عليهم ، ويتركون في عقدها على ما يرونه في دينهم : لأن تجاهرهم بالكفر الذي يقرون عليه أعظم .
فأما ما تعلق بأفعالهم من دخول ضرر على مسلم أو معاهد من غيرهم ، فيمنعون منه ، وإن كانوا يعتقدونه دينا : لأنهم يعتقدون إباحة دماء من خالفهم ، وأموالهم ، ولا يقرون على استباحتها فكذا كل مضرة .