مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : "
ويجوز للنصراني أن يقارض المسلم ، وأكره للمسلم أن يقارض النصراني أو يشاركه " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال . يجوز أن يأخذ المسلم من النصراني مالا قراضا ،
[ ص: 390 ] ولا يكره له : لأن عقود المسلم تتوجه إلى المباح ، ويكره للمسلم أن يدفع إلى النصراني مالا قراضا : لأنه ربما صرفه في محظورات الإسلام من الزنا وأثمان الخمور والخنازير ، ولا يبطل القراض تغليبا لحمله على المباح ، فإن صرفه النصراني في محظور من أثمان خمور ، وخنازير فإن كان المسلم قد صرح له بالنهي عنه ، كان النصراني ضامنا لما صرفه في ثمنه : لحظره ومخالفته ، وإن لم يصرح له بالنهي عنه ، ففي ضمانه له وجهان :
أحدهما : يضمنه لما أوجبه عقد المسلم من حمله على مقتضى شرعه .
والوجه الثاني : لا يضمنه : لجوازه في دين عاقده ، فإن ربح في الخمور والخنزير حرم ذبحه على المسلم ، فإن لم يختلط بأصل ماله حل له استرجاع ماله ، وحرم عليه أخذ ربحه ، وإن اختلط ربحه بماله حرم على المسلم استرجاعه ، وفي رجوعه بغرمه على النصراني وجهان ، واختلاف الوجهين في ضمانه إذا صرفه في ثمنه .
وهكذا
يكره للمسلم أن يشارك النصراني في مال ينفرد كل واحد منهما بالتصرف في جميعه ، ولا يكره اشتراكهم في مال لا يتصرف أحدهما فيه إلا باجتماعهما : لأن النصراني إذا تفرد بالتصرف فيه صرفه في أثمان المحظورات ، وإذا اجتمع مع المسلم فيه صار ممنوعا منه ، فإن
تفرد النصراني بالتصرف ، وظهر الربح في المال ، فأراد المسلم أن يقاسمه عليه ، لم يخل ماله من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يعلم حصوله من حلال ، فيحل للمسلم أن يأخذ حقه من المال وربحه .
والثاني : أن يعلم حصوله من حرام ، فيحرم عليه أخذه ، فأما المال فإن لم يمتزج ربحه ، ولا عاد أصله من ثمنه حل له أخذ حقه منه ، وإن امتزج بربحه أو عاد أصله من ثمنه حرم عليه أخذه ، وفي رجوعه بغرمه على شريكه ما قدمناه من الوجهين .
والثالث : أن يشك في حصوله هل هو مباح أو من محظور ، فلا يحرم عليه بالشك حكما ، ويكره له مع الشك ورعا .