فصل : فإذا ثبت جواز الاصطياد بجميعها ، فلا يخلو حال الصيد أن يدرك حيا أو ميتا ،
فإن أدرك حيا قوي الحياة ، فلا اعتبار بصفة ما صاده من معلم أو غير معلم عن إرسال واسترسال ، وهو حلال إذا ذكي ، فإن فاتت ذكاته . حتى مات ، فهو حرام ، وإن أدرك الصيد ميتا اعتبر في إباحة أكله تكامل خمسة شروط إذا تكاملت حل ، وإذا لم تتكامل حرم :
أحدها : أن يسترسل الجارح عن أمر مرسله ، فإن استرسل بنفسه لم يحل أكله : لقول الله تعالى :
فكلوا مما أمسكن عليكم فلم يحل ما أمسكه على نفسه .
والثاني : أن يكون المرسل مما تحل ذكاته ، فإن كان ممن لا تحل ذكاته حرم : لأن إرساله كالذكاة .
والثالث : أن لا يغيب عن عين مرسله ، فإن غاب عن عين مرسله لم يحل : لأنه قد يحدث بعد مغيبه ما يمنع من إباحته .
والرابع : أن لا يشركه في قتله من لا يحل صيده ، وإن شركه فيه لم يحل .
والخامس : أن يكون الجارح المرسل معلما : لقوله تعالى :
تعلمونهن مما علمكم الله فإن كان غير معلم لم يحل .
[ ص: 7 ] وتعليمه يكون بأربعة شروط :
أحدها : أن يستشلي إذا أشلي ، وهو
أن يرسل ، فيسترسل .
والثاني : أن
يجيب إذا دعي ، وهو أن يعود إذا طلب ،
ويزجر إذا زجره .
والثالث : أن
يحبس ما أمسكه ، لا يأكله .
والرابع : أن
يتكرر ذلك منه مرارا حتى تصير له عادة ، ولا يصير بالمرة والمرتين معلما .
قال
الحسن البصري : يصير بالمرة الواحدة معلما .
وقال
أبو حنيفة : يصير بالمرتين معلما : لأن الثانية من الإرسال فتصير عادة .
وهذا فاسد : لأن في تكامل التعليم غير مقنع في العرف : ولأنه لا يمتنع أن يكون بسبب امتناعه في الأولى موجودا في الثانية ، وإذا تكرر مع اختلاف أحواله زال : ولأن مقصود التعليم هو أن ينتقل عن طبعه إلى اختيار مرسله ، وهو لا ينتقل عنه إلا بالمرور عليه : فإن قيل : فقد عبر
الشافعي عن إرساله بإشلائه ، وهذا خطأ في اللغة : لأنه يقال : أشليت كلبي إذا دعوته ، وأشليته إذا أرسلته ، واستعمل الإشلاء في ضد معناه فعنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه من أسماء الأضداد يجوز استعماله في الأمرين .
والثاني : أنه يستعمل في الدعاء وحده ، لكنه دعاه إلى الصيد ، فجاز أن يكون مشليا له ، كما لو دعاه إلى نفسه كما قال الشاعر :
أشليت غيري ومسحت عقبي
والثالث : أن الإشلاء هو الإغراء ، فبأي شيء أغراه كان مشليا له ، كما قال الشاعر :
صددت ولم يصددن خوفا لريبة ولكن لإتلاف المحرش والمشلى
أي المغرى ، والله أعلم .