فصل : فإذا تقررت هذه الجملة ،
فإن جعلنا الصيد ملكا للثاني : فلا ضمان في تلفه على الأول ، ولا على الثاني : أما الأول فلأنه جرحه في حال الإباحة ، وأما الثاني فلأنه قد جرحه في ملكه فلم يضمنه في حق نفسه ، وإن جعلها الصيد ملكا للأول بإثباته ، وجرحه الثاني ، فسرت الجراحة إلى نفسه فمات ، فقد صار موته من جراحتين
[ ص: 33 ] مختلفتي الحكم : فالجراحة الأولى مستجلبة للحكم ، مبيحة للأكل لو انفردت ، والجراحة الثانية مستهلكة للملك محرمة للأكل لو انفردت ، فإذا اجتمعت الجراحتان مع حصول الاستهلاكين والتحريم ، فقد اختلف أصحابنا هل يكون حكم الاستهلاك والتحريم مختصا بالجراحة الثانية فيكون الثاني ضامنا لجميع القيمة ، ويكون مضافا إلى الجراحتين والقيمة مقسطة على الجراحتين ؟ على أربعة أوجه :
أحدهما : وهو الظاهر على مذهب
الشافعي ، وهو قول جمهور أصحابه ، أن حكم الاستهلاك والتحريم مضافا إلى الجراحتين ، وأن قيمة الصيد المستهلكة مقسطة على الجارحين : لأن التلف كان لسراية الجراحتين ، فلم يمنع اختلاف حكمهما من تقسيط الضمان عليهما ، كما لو قطع السيد يد عبده في السرقة وقطع أجنبي يده في جناية ، ومات منهما كان على الجاني نصف قيمته : لأنه مات بسراية القطعين ، وإن كان الأول فيهما مباحا غير مضمن كذلك في هذه الجراحتين .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي سعيد الإصطخري أن الضمان مختص بالجراحة الثانية ، وعلى الجارح الثاني جميع القيمة بعد الجراحة الأولى ، قال : لأن الجراحة الأولى لما استجلبت الملك ، أباحت الأكل ، ولم يتعلق بها حكم ما لم يوجد فيها من استهلاك وتحريم .
والجراحة الثانية لما استهلكت الملك ، وحرمت الأكل اختص بها حكم ما يوجد فيها من الاستهلاك والتحريم : لتنافي الحكم في الجراحتين ، فعلق على كل واحدة حكمها .
والوجه الثالث : حكاه
أبو علي بن أبي هريرة أن ينظر حال الصيد ، فإن حصل في يد صاحبه حيا ، فعلى الثاني ، قسطه من القيمة كما قلناه في الوجه الأول لأن الجراحة الأولى مع إدراك حياته قد صارت كالثانية في استهلاكه وتحريمه ، فتقسطت القيمة عليهما ، وإن لم يحصل في يد صاحبه إلا ميتا ، فعلى الثاني جميع القيمة كما قيل في الوجه الثاني : لأن الجراحة الأولى عند فوات ذكاته لم يكن لها تأثير في استهلاكه ، ولا تحريم .
والوجه الرابع : وهو أظهرها عندي أنه إن مضى في الزمان بين الجراحتين قدر ما يدركه صاحبه . فالقيمة بينهما ، وعلى الثاني قسطه منها كالوجه الأول : لأن مضي زمان إدراكه موجب لتحريمه عند فوات ذكاته ، فاستوت الجرحتان في التحريم فقسطت القيمة عليهما ، وإن لم يمض بين الجراحتين زمان إدراكه ، والجراحة الثانية هي المختصة بالتحريم ، فاختص الثاني بجميع القيمة كالوجه الثاني : لأن قصور الزمان يمنع من تأثير الأول في التحريم .