الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " ولو رماه الأول ورماه الثاني ولم يدر أبلغ به الأول أن يكون ممتنعا أو غير ممتنع جعلناه بينهما نصفين " .

[ ص: 45 ] قال الماوردي : وصورتها صيد رماه اثنان ، فأصاباه ، ووجد ميتا بعد إصابتهما فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يعلم حال الراميين ، ويعلم صفة الرميتين ، والعلم بحال الراميين أن يعلم هل اجتمعا عليه ، أو افترقا ، ويعلم إذا افترقا أيهما كان أولا وآخرا .

والعلم بصفة الرميتين ، أن يعلم هل كان إثباته بالأولى أو بالثانية ، أو بهما ، وهذا الضرب قد ذكرنا حكمه ، فلم يحتج إلى إعادته .

والضرب الثاني : أن يشكل حالة الراميين ، ويشكل صفة الرميتين ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون الإشكال في الراميين ، هل أصاباه معا أو تقدم أحدهما على الآخر ، فيجري عليه في الملك حكم الاجتماع ، ويكون بينهما نصفين : لتساويهما فيه ، وهل يجري عليه في الذكاة والإباحة حكم الاجتماع أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : يجري عليه حكم الاجتماع ، فيكون ذكيا مباحا إلحاقا بحكم الملك .

والوجه الثاني : أنه يجري عليه في الذكاة والإباحة حكم الافتراق ، فيحرم أكله ، وإن جرى عليه في الملك حكم الاجتماع : لأن الأصل في أكله الحظر ، فلم نبحه إلا بيقين ، وقد يجوز أن يتقدم أحدهما على الآخر ، فيحرم ، ويجوز أن يجتمعا عليه ، فيحل فوجب أن يغلب فيه حكم التحريم .

والضرب الثاني : أن يعلم التقدم ، ويقع الإشكال في المتقدم ، فهذا على ثلاثة أضرب :

أحدها : أن يعلم صفة الرمي ، ويشكل المتقدم بالرمي .

والثاني : أن يعلم المتقدم بالرمي ، وتشكل صفة الرمي .

والثالث : أن يشكل المتقدم بالرمي ، وتشكل صفة الرمي .

فأما الضرب الأول وهو أن يعلم صفة الرمي ، ويشكل المتقدم بالرمي ، فهذا الإشكال في الملك دون الإباحة ، فإن كان صفة الرمي لا تبيح الأكل ، فالإشكال في المالك غير مؤثر : لأنه لم يستقر على الصيد ملك ، فإن كان صفة الرمي تبيح الأكل صار الإشكال في الملك مؤثرا ، فإن لم يتنازعا فيه جعل بينهما نصفين لاستوائهما ، وليس يمتنع إذا كان الأصل يوجب أن يكون لأحدهما أن يجعل مع الإشكال بينهما كالوالدين ، يكون أحدهما مسلما ، والآخر كافرا إذا اختلفا في ميراث أبيهما ، فادعاه المسلم لإسلام أبيه ، وادعاه الكافر لكفر أبيه ، وكان الأب مجهول الدين يجعل الميراث بينهما ، وإن أحاط العلم باستحالة الشركة ، وأنه لا يكون إلا لأحدهما ، لكن [ ص: 46 ] لما أشكل مستحقه ، وقد استويا فيه جعل بينهما كذلك الصيد ، وإن أوجب افتراقهما في رميه أن يكون لأحدهما لا يمتنع مع الإشكال أن يجعل بينهما ، فإن تنازعا فيه تحالفا عليه ، فإن حلفا أو نكلا كان بينهما ، وإن حلف أحدهما كان للحالف منهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية